الجملتين هو واحد ، وقوله والمخاطب واحد ، يعني الذي خوطب بهذا الكلام ، والمعادلة وقعت بين قيام المواجه بالخطاب وبين قيام عمرو وقوله. والقول في الآية من اثنين ، يعني أن أتحاجوننا من قول الرسول ، إذ أمر أن يخاطبهم بذلك ، وأ تقولون بالتاء من قول الله تعالى. وقوله والمخاطب اثنان غير أن ، أما الأول فقوله أتحاجوننا ، وأما الثاني فهو للرسول وأمته الذين خوطبوا بقوله : أم يقولون. وقال الزمخشري : وفيمن قرأ بالياء ، لا تكون إلا منقطعة. انتهى. ويمكن الاتصال فيها مع قراءة التاء ، ويكون ذلك من الالتفات ، إذ صار فيه خروج من خطاب إلى غيبة ، والضمير لناس مخصوصين. والأحسن أن تكون أم في القراءتين معا منقطعة ، وكأنه أنكر عليهم محاجتهم في الله ونسبة أنبيائه لليهودية والنصرانية ، وقد وقع منهم ما أنكر عليهم. ألا ترى إلى قوله تعالى : قل (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ) (١) الآيات. وإذا جعلناها متصلة ، كان ذلك غير متضمن وقوع الجملتين ، بل إحداهما ، وصار السؤال عن تعيين إحداهما ، وليس الأمر كذلك ، إذ وقعا معا. والقول في أو في قول : (هُوداً أَوْ نَصارى) ، قد تقدّم في قوله : (وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى). وقوله : (كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى) ، وأنها للتفصيل ، أي قالت اليهود : هم يهود ، وقالت النصارى : هم نصارى.
(قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ) : القول في القراءات في أأنتم ، كهو في قوله : (أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) (٢) ، وقد توسط هنا المسئول عنه ، وهو أحسن من تقدمه وتأخره ، إذ يجوز في العربية أن يقول : أأعلم أنتم أم الله؟ ويجوز : أأنتم أم الله أعلم؟ ولا مشاركة بينهم وبين الله في العلم حتى يسأل : أهم أزيد علما أم الله؟ ولكن ذلك على سبيل التهكم بهم والاستهزاء ، وعلى تقدير أن يظن بهم علم ، وهذا نظير قول حسان :
فشركما لخيركما الفداء
وقد علم أن الذي هو خير كله ، هو الرسول عليهالسلام ، وأن الذي هو شر كله ، هو هاجيه. وفي هذا ردّ على اليهود والنصارى ، لأن الله قد أخبر بقوله : (ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (٣) ، ولأن اليهودية والنصرانية إنما حدثتا بعد إبراهيم ، ولأنه أخبر في التوراة والإنجيل أنهم كانوا مسلمين مميزين عن
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ٦٥.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ٦.
(٣) سورة آل عمران : ٣ / ٦٧.