شيئا من الحق ولا تعيه لإعراضها عنه ، فاستعار الشيء المحسوس والشيء المعقول ، أو مثل القلب بالوعاء الذي ختم عليه صونا لما فيه ومنعا لغيره من الدخول إليه. والأول : مجاز الاستعارة ، والثاني : مجاز التمثيل. ونقل عمن مضى أن الختم حقيقة وهو انضمام القلب وانكماشه ، قال مجاهد : إذا أذنبت ضم من القلب هكذا ، وضم مجاهد الخنصر ، ثم إذا أذنبت ضم هكذا ، وضم البنصر ، ثم هكذا إلى الإبهام ، وهذا هو الختم والطبع والرين. وقيل : الختم سمة تكون فيهم تعرفهم الملائكة بها من المؤمنين. وقيل : حفظ ما في قلوبهم من الكفر ليجازيهم. وقيل : الشهادة على قلوبهم بما فيها من الكفر ونسبة الختم إلى الله تعالى بأي معنى فسر إسناد صحيح ، إذ هو إسناد إلى الفاعل الحقيقي ، إذ الله تعالى خالق كل شيء.
وقد تأول الزمخشري وغيره من المعتزلة هذا الإسناد ، إذ مذهبهم أن الله تعالى لا يخلق الكفر ولا يمنع من قبول الحق والوصول إليه ، إذ ذاك قبيح والله تعالى يتعالى عن فعل القبيح ، وذكر أنواعا من التأويل عشرة ، ملخصها : الأول : أن الختم كنى به عن الوصف الذي صار كالخلقي وكأنهم جبلوا عليه وصار كأن الله هو الذي فعل بهم ذلك. الثاني : أنه من باب التمثيل كقولهم : طارت به العنقاء ، إذا أطال الغيبة ، وكأنهم مثلت حال قلوبهم بحال قلوب ختم الله عليها. الثالث : أنه نسبه إلى السبب لما كان الله هو الذي أقدر الشيطان ومكنه أسند إليه الختم. الرابع : أنهم لما كانوا مقطوعا بهم أنهم لا يؤمنون طوعا ولم يبق طريق إيمانهم إلا بإلجاء وقسر وترك القسر عبر عن تركه بالختم. الخامس : أن يكون حكاية لما يقوله الكفار تهكما كقولهم : (قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ). السادس : أن الختم منه على قلوبهم هو الشهادة منه بأنهم لا يؤمنون. السابع : أنها في قوم مخصوصين فعل ذلك بهم في الدنيا عقابا عاجلا ، كما عجل لكثير من الكفار عقوبات في الدنيا. الثامن : أن يكون ذلك فعله بهم من غير أن يحول بينهم وبين الإيمان لضيق صدورهم عقوبة غير مانعة من الإيمان. التاسع : أن يفعل بهم ذلك في الآخرة لقوله تعالى : (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا) (١). العاشر : ما حكى عن الحسن البصري ، وهو اختيار أبي علي الجبائي ، والقاضي ، أن ذلك سمة وعلامة يجعلها الله تعالى في قلب الكافر وسمعه ، تستدل بذلك الملائكة على أنهم كفار وأنهم لا يؤمنون. انتهى ما قاله المعتزلة. والمسألة يبحث عنها في أصول الدين. وقد وقع قوله : (وَعَلى سَمْعِهِمْ) بين شيئين : يمكن أن يكون السمع محكوما عليه مع كل واحد منهما ، إذ يحتمل أن يكون أشرك في
__________________
(١) سورة الإسراء : ١٧ / ٩٧.