منهم في الدنيا بإظهار الإسلام ، وإن أبطنوا خلافه ، ومخادعة المؤمنين لهم كونهم امتثلوا أحكام المسلمين عليهم.
وفي مخادعتهم هم للمؤمنين فوائد لهم ، من تعظيمهم عند المؤمنين ، والتطلع على أسرارهم فيغشونها إلى أعدائهم ، ورفع حكم الكفار عنهم من القتل وضرب الجزية ، وغير ذلك ، وما ينالون من الإحسان بالهداية وقسم الغنائم. وقرأ : وما يخادعون ، الحرميان ، وأبو عمرو. وقرأ باقي السبعة : وما يخدعون. وقرأ الجارود بن أبي سبرة ، وأبو طالوت عبد السلام بن شداد : وما يخدعون مبنيا للمفعول. وقرأ بعضهم : وما يخادعون ، بفتح الدال مبنيا للمفعول. وقرأ قتادة ، ومورق العجلي : وما يخدعون ، من خدّع المشدّد مبنيا للفاعل ، وبعضهم يفتح الياء والخاء وتشديد الدال المكسورة. فهذه ست قراءات توجيه : الأولى : أن المعنى في الخداع إنما هو الوصول إلى المقصود من المخدوع ، بأن ينفعل له فيما يختار ، وينال منه ما يطلب على غرة من المخدوع وتمكن منه وتفعل له ، ووبال ذلك ليس راجعا للمخدوع ، إنما وباله راجع إلى المخادع ، فكأنه ما خادع ولا كاد إلا نفسه بإيرادها موارد الهلكة ، وهو لا يشعر بذلك جهلا منه بقبيح انتحاله وسوء مآله. وعبر عن هذا المعنى بالمخادعة على وجه المقابلة ، وتسمية الفعل الثاني باسم الفعل الأول المسبب له ، كما قال :
ألا لا يجهلن أحد علينا |
|
فنجهل فوق جهل الجاهلينا |
جعل انتصاره جهلا ، ويؤيد هذا المنزع هنا أنه قد يجيء من واحد : كعاقبت اللص ، وطارقت النعل. ويحتمل أن تكون المخادعة على بابها من اثنين ، فهم خادعون أنفسهم حيث منوها الأباطيل ، وأنفسهم خادعتهم حيث منتهم أيضا ذلك ، فكأنها مجاورة بين اثنين ، وقال الشاعر :
تذكر من أني ومن أين شربه |
|
يؤامر نفسيه لذي البهجة الإبل |
وأنشد ابن الأعرابي :
لم تدر ما ولست قائلها |
|
عمرك ما عشت آخر الأبد |
ولم تؤامر نفسيك ممتريا |
|
فيها وفي أختها ولم تلد |
وقال :
يؤامر نفسيه وفي العيش فسحة |
|
أيستوبع الذوبان أم لا يطورها |