وأنشد ثعلب عن ابن الأعرابي :
وكنت كذات الضي لم تدر إذ بغت |
|
تؤامر نفسيها أتسرق أم تزني |
ففي هذه الأبيات قد جعل للشخص نفسين على معنى الخاطرين ، ولها جنسين ، أو يكون فاعل بمعنى فعل ، فيكون موافقا لقراءة : وما يخدعون. وتقول العرب : خادعت الرجل ، أعملت التحيل عليه فخدعته ، أي تمت عليه الحيلة ونفذ فيه المراد ، خدعا ، بكسر الخاء في المصدر وخديعة ، حكاه أبو زيد. فالمعنى : وما ينفذ السوء إلا على أنفسهم ، والمراد بالأنفس هنا : ذواتهم. فالفاعل هو المفعول ، وقد ادعى بعضهم أن هذا من المقلوب وأن المعنى : وما يخادعهم إلا أنفسهم قال : لأن الإنسان لا يخدع نفسه ، بل نفسه هي التي تخدعه وتسوّل له وتأمره بالسوء. وأورد أشياء مما قلبته العرب ، وللنحويين في القلب مذهبان : أحدهما : أنه يجوز في الكلام والشعر اتساعا واتكالا على فهم المعنى. والثاني : أنه لا يجوز في الكلام ويجوز في الشعر حالة الاضطرار ، وهذا هو الذي صححه أصحابنا ، وكان هذا الذي ادعى القلب لما رأى قولهم : منتك نفسك ، وقوله تعالى : (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ) (١) تخيل أن الممني والمسوّل غير الممنيّ والمسوّل له ، وليس على ما تخيل ، بل الفاعل هنا هو المفعول. ألا ترى أنك تقول : أحب زيد نفسه ، وعظم زيد نفسه؟ فلا يتخيل هنا تباين الفاعل والمفعول إلا من حيث اللفظ ، وأما المدلول فهو واحد. وإذا كان المعنى صحيحا دون قلب ، فأي حاجة تدعو إليه هذا؟ مع أن الصحيح أنه لا يجوز إلا في الشعر ، فينبغي أن ينزه كتاب الله تعالى منه.
ومن قرأ : وما يخادعون أو يخدعون مبنيا للمفعول ، فانتصاب ما بعد إلا على ما انتصب عليه زيد غبن رأيه ، إما على التمييز على مذهب الكوفيين ، وإما على التشبيه بالمفعول به على ما زعم بعضهم ، وإما على إسقاط حرف الجر ، أي : في أنفسهم ، أو عن أنفسهم ، أو ضمن الفعل معنى ينتقضون ويستلبون ، فينتصب على أنه مفعول به ، كما ضمن الرفث معنى الإفضاء فعدى بإلى في قوله : (الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ) (٢) ، ولا يقال رفث إلى كذا ، وكما ضمن (هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى) (٣) ، معنى أجذبك ، ولا يقال : إلا هل لك في كذا. وفي قراءة : وما يخدعون ، فالتشديد إما للتكثير بالنسبة للفاعلين أو للمبالغة في
__________________
(١) سورة يوسف : ١٢ / ١٨ و ٨٣.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ١٨٧.
(٣) سورة النازعات : ٧٩ / ١٨.