وشبه ذلك. وقيل : التوراة والإنجيل ، ووحد اللفظ على المكتوب ، ويكون الكاتمون اليهود والنصارى. وصف الله نبيه في الكتابين ، ونعته فيهما وسماه فقال : (يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ) (١) ، وقال : (وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) (٢). والطائفتان أنكروا صفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وقد شهدت التوراة والإنجيل بذلك ، والنصوص موجودة فيهما ، إلا أن في مواضع منها في التوراة في الفصل التاسع ، وفي الفصل العاشر من السفر الأول ، وفي الفصل العشرين من السفر الخامس. ومنها في الإنجيل مواضع تدلّ على ذلك ، قد ذكر جميعها ، من تعرض للكلام على ذلك. وقيل : الكتاب المكتوب ، وهو أعم من التوراة والإنجيل ، فيتناول كل من كتم ما أنزل الله مما يتعلق بالأحكام قديما وحديثا ، وكل كاتم لحق وساتر لأمر مشروع.
(وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) : لما تعوضوا عن الكتم شيئا من سحت الدّنيا ، أشبه ذلك البيع والشراء ، لانطوائهما على عوض ومعوض عنه ، فأطلق عليه اشتراء. وبه : الضمير عائد على الكتمان ، أو الكتاب ، أو على الموصول الذي هو : ما أقوال ثلاثة ، أظهرها الآخر ، ويكون على حذف مضاف ، أي بكتم ما أنزل الله به. والفرق بين هذا القول وقول من جعله عائدا على الكتم ، أنه يكون في ذلك القول عائدا على المصدر المفهوم من قوله : (يَكْتُمُونَ) ، وفي هذا عائدا على ما على حذف مضاف ، وتقدم الكلام في تفسير قوله : (لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) (٣) ، فأغنى عن إعادته ، إلا فعل الاشتراء جعل علة هناك ، وهنا جعل معطوفا على قوله : (يَكْتُمُونَ) ، ورتب الخبر على مجموع الأمرين من الكتم والاشتراء ، لأن الكتم ليست أسبابه منحصرة في الاشتراء ، بل الاشتراء بعض أسبابه. فكتم ما أنزل الله من الكتاب ، وهو أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وإنكار نبوته وتبديل صفته ، كان لأمور منها البغي ، (بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) (٤). ومنها الخسارة ، لكونه من العرب لا منهم. ومنها طلب الرياسة ، وأن يستتبعوا أهل ملتهم. ومنها تحصيل أموالهم ورشاء ملوكهم وعوامهم.
(أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ) : أتى بخبر إن جملة ، لأنها أبلغ من المفرد ، وصدر بأولئك ، إذ هو اسم إشارة دال على اتصاف المخبر عنه بالأوصاف السابقة. وقد تقدم لنا الكلام في ذلك في قوله : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) (٥) ثم أخبر عن
__________________
(١) سورة الأعراف : ٧ / ١٥٧.
(٢) سورة الصف : ٦١ / ٦.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ٧٩.
(٤) سورة البقرة : ٢ / ٩٠.
(٥) سورة البقرة : ٢ / ٥.