سخاءك بحاتم ، أي بسخاء حاتم ، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه ، وهو قول الكسائي وقطرب ، وهو قريب من قول المؤرج. وقيل : اصبر هنا بمعنى أجرأ ، وهي لغة يمانية ، فيكون لفظ اصبر إذ ذاك مشتركا بين معناها المتبادر إلى الذهن من حبس النفس على الشيء المكروه ، ومعنى الجراءة ، أي ما أجرأهم على العمل الذي يقرب إلى النار ، قاله الحسن وقتادة والربيع وابن جبير. قال الفراء : أخبرني الكسائي قال : أخبرني قاضي اليمن أن خصمين اختصما إليه ، فوجبت اليمين على أحدهما ، فحلف له خصمه ، فقال له : ما أصبرك على الله! أي ما أجرأك على الله! والقائلون بأنه مجاز. فقيل : هو مجاز أريد به العمل ، أي ما أعلمهم بأعمال أهل النار! قاله مجاهد. وقيل : هو مجاز أريد به قلة الجزع ، أي ما أقل جزعهم من النار! وقيل : هو مجاز أريد به الرضا ، وتقريره أن الراضي بالشيء يكون راضيا بمعلوله ولازمه ، إذا علم ذلك اللزوم. فلما أقدموا على ما يوجب النار ، وهم عالمون بذلك ، صاروا كالراضين بعذاب الله والصابرين عليه ، وهو كما يقول لمن تعرض لغضب السلطان : ما أصبرك على القيد والسجن! وقال الزمخشري : فما أصبرهم على النار! تعجب من حالهم في التباسهم بموجبات النار من غير مبالاة منهم. انتهى كلامه ، وانتهى القول في أن الكلام تعجب. وذهب معمر بن المثنى والمبرد إلى أن ما استفهامية لا تعجبية ، وهو استفهام على معنى التوبيخ بهم ، أي : أيّ شيء صبرهم على النار حتى تركوا الحق واتبعوا الباطل؟ وهو قول ابن عباس والسدي. يقال : صبره وأصبره بمعنى : أي جعله يصبر ، لا أن أصبر هنا بمعنى : حبس واضطر ، فيكون أفعل بمعنى : فعل ، خلافا للمبرد ، إذ زعم أن أصبر بمعنى : صبر ، ولا نعرف ذلك في اللغة ، وإنما تكون الهمزة للنقل ، أي يجعل ذا صبر. وذهب قوم إلى أن ما نافية ، والمعنى : أن الله ما أصبرهم على النار ، أي ما يجعلهم يصبرون على العذاب ، فتلخص في معنى قوله : (فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) التعجب والاستفهام والنفي ، وتلخص في التعجب ، أهو حقيقة أم مجاز؟ وكلاهما : أذلك في الدنيا أو في الآخرة؟.
(ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِ) ، ذلك : إشارة إلى ما تقدم من الوعيد ، قاله الزجاج ؛ أو إلى الحكم عليهم بأنهم من أهل الخلود في النار ، قاله الحسن ، أو العذاب ، قاله الزمخشري ؛ أو الاشتراء ، قاله ابن عطية ، تقريعا على بعض التفاسير في الكتاب من قوله : (نَزَّلَ الْكِتابَ) ، وسيذكر أي ذلك الاشتراء بما سبق لهم في علم الله وورد أخباره به ، أو الكتمان. وأبعدها أنه إشارة إلى ما تقدم من أخبار الله أنه ختم على قلوبهم ، وعلى