(فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ). ارتفاع اتباع على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي : فالحكم ، أو الواجب كذا قدره ابن عطية ، وقدره الزمخشري : فالأمر اتباع ، وجوز أيضا رفعه بإضمار فعل تقديره : فليكن اتباع ، وجوّزوا أيضا أن يكون مبتدأ محذوف الخبر وتقديره : فعلى الولي اتباع القاتل بالدية ، وقدروه أيضا متأخرا تقديره ، فاتباع بالمعروف عليه.
قال ابن عطية بعد تقديره : فالحكم أو الواجب اتباع ، وهذا سبيل الواجبات ، كقوله (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ) (١) وأما المندوب إليه فيأتي منصوبا كقوله : (فَضَرْبَ الرِّقابِ) (٢) انتهى.
ولا أدري هذه التفرقة بين الواجب والمندوب إلّا ما ذكروا من أن الجملة الابتدائية أثبت وآكد من الجملة الفعلية في مثل قوله : (قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ) (٣) فيمكن أن يكون هذا الذي لحظه ابن عطية من هذا. وأما إضمار الفعل الذي قدره الزمخشري : فليكن ، فهو ضعيف إذ : كان ، لا تضمر غالبا إلّا بعد أن الشرطية ، أو : لو ، حيث يدل على إضمارها الدليل ، و (بِالْمَعْرُوفِ) متعلق بقوله : فاتباع ، وارتفاع : (وَأَداءٌ) لكونه معطوفا على اتباع ، فيكون فيه من الإعراب ما قدروا في : فاتباع ، ويكون بإحسان متعلقا بقوله : وأداء ، وجوزوا أن يكون : وأداء ، مبتدأ ، وبإحسان ، هو الخبر ، وفيه بعد. والفاء في قوله : فاتباع ، جواب الشرط إن كانت من شرطا ، والداخلة في خبر المبتدأ إن كانت من موصولة ، فإن كانت من : كناية عن القاتل وأخوه : كناية عن الولي ، وهو الظاهر ، فتكون الجملة توصية للمعفو عنه والعافي يحسن القضاء من المؤدي ، وحسن التقاضي من الطالب ، وإن كان الأخ كناية عن المقتول كانت الهاء في قوله : وأداء إليه ، عائدة على ما يفهم من يصاحب يوجه ما ، لأن في قوله : عفى ، دلالة على العافي فيكون نظير قوله : (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ) (٤) إذ في العشي دلالة على مغيب الشمس ، وقول الشاعر :
لك الرجل الحادي وقد منع الضحى |
|
وطير المنايا فوقهن أواقع |
أي : فوق الإبل ، لأن في قوله : الحادي ، دلالة عليهن ، وإن كانت من كناية عن القاتل فيكون أيضا توصية له وللولي بحسن القضاء والتقاضي ، أي : فاتباع من الولي
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢٢٩.
(٢) سورة محمد : ٤٧ / ٤.
(٣) سورة هود : ١١ / ٦٩.
(٤) سورة ص : ٣٨ / ٣٢.