بالمعروف ، وأداء من القاتل إليه بإحسان ، والإتباع بالمعروف أن لا يعنف عليه ولا يطالبه إلّا مطالبة جميلة ، ولا يستعجله إلى ثلاث سنين يجعل انتهاء الإستيفاء ، والأداء بالإحسان : أن لا يمطله ولا يبخسه شيئا. وهذا مروي عن ابن عباس في تفسير الإتباع والأداء.
وقيل : اتباع الولي بالمعروف أن لا يطلب من القاتل زيادة على حقه ، وقد روي في الحديث : «من زاد بعيرا في إبل الدية وفرائضها فمن أمر الجاهلية».
وقيل الاتباع والأداء معا من القاتل ، والاتباع بالمعروف أن لا ينقصه ، والأداء بالإحسان أن لا يؤخره. وقيل : المعروف حفظ الجانب ولين القول ، والإحسان تطييب القول ، وقيل : المعروف ما أوجبه تعالى ، وقيل : المعروف ما يتعاهد العرب بينها من دية القتلى.
وظاهر قوله : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) الآية. أنه يمتنع إجابة القاتل إلى القود منه إذا اختار ذلك واختار المستحق الدية ويلزم القاتل الدية إذا اختارها الولي ، وإليه ذهب سعيد ، وعطاء ، والحسن ، والليث ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، ورواه أشهب عن مالك.
وقال أبو حنيفة وأصحابه ، وأحمد ، ومالك في إحدى الروايتين عنه ، والثوري ، وابن شبرمة : ليس للولي إلّا القصاص ، ولا يأخذ الدية إلّا برضى القاتل ، فعلى قول هؤلاء يقدر بمحذوف ، أي : فمن عفى له من أخيه شيء ورضي المعفو عنه ودفع الدية فاتباع بالمعروف ، وقد تقدّمت لنا الإشارة إلى هذا الخلاف عند تفسيرنا : (فَمَنْ عُفِيَ) واختلاف الناس فيه.
(ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ) أشار بذلك إلى ما شرعه تعالى من العفو والدية إذ أهل التوراة كان مشروعهم القصاص فقط ، وأهل الإنجيل مشروعهم العفو فقط ، وقيل : لم يكن العفو في أمة قبل هذه الأمة ، وقد تقدّم طرق من هذا النقل ، وهذه الأمة خيرت بين القصاص وبين العفو والدية ، وكان العفو والدية تخفيفا من الله إذ فيه انتفاع الولي بالدّية ، وحصول الأجر بالعفو استبقاء مهجة القاتل ، وبذل ما سوى النفس هين في استبقائها ، وأضاف هذا التخفيف إلى الرب لأنه المصلح لأحوال عبيده ، الناظر لهم في تحصيل ما فيه سعادتهم الدينية والدنيوية ، وعطف (وَرَحْمَةٌ) على (تَخْفِيفٌ) لأن من استبقى مهجتك بعد استحقاق إتلافها فقد رحمك. وأي : رحمة أعظم من ذلك؟ ولعل القاتل المعفو عنه