الوصية باقية أمر الموصي بإصلاحه ، ورد من الجنف إلى النّصف ، وإن كانت ماضية أصلحها الموصى إليه بعد موته.
وقيل : هو أن يوصي لولد ابنته ، يقصد بها نفع ابنته ، وهذا راجع إلى قول طاووس المتقدم.
وإذا فسرنا الخوف بالخشية ، فالخوف إنما يصح في أمر مرتبط والوصية قد وقعت ، فكيف يمكن تعليقها بالخوف؟ والجواب : أن المصلح إذا شاهد الموصي يوصي ، فظهرت منه إمارات الجنف أو التعدي بزيادة غير مستحق ، أو نقص مستحق ، أو عدل عن مستحق ، فأصلح عند ظهور الأمارات لأنه لم يقطع بالجنف والإثم ، فناسب أن يعلق بالخوف ، لأن الوصية لم تمض بعد ولم تقع ، أو علق بالخوف وإن كانت قد وقعت لأنه له أن ينسخها أو يغيرها بزيادة أو نقصان ، فلم يصر الجنف أو الإثم معلومين ، لأن تجويز الرجوع يمنع من القطع أو علق بالخوف. وإن كانت الوصية استقرت ومات الموصي ، يجوز أن يقع بين الورثة والموصى لهم مصالحة على وجه يزول به الميل والخطأ ، فلم يكن الجنف ولا الإثم مستقرا ، فعلق بالخوف. والجواب الأول أقوى ، ومن : شرطية ، والجواب : فلا إثم عليه : و (مِنْ مُوصٍ) متعلق ، بخاف ، أو بمحذوف تقديره : كائنا من موص ، وتكون حالا ، إذ لو تأخر لكان صفة ، كقوله : (جَنَفاً أَوْ إِثْماً) فلما تقدم صار حالا ، ويكون الخائف في هذين التقديرين ، ليس الموصي ، ويجوز أن يكون : من ، لتبيين جنس الخائف ، فيكون الخائف بعض الموصين على حد ، من جاءك من رجل فأكرمه ، أي : من جاءك من الرجال فالجائي رجل ، والخائف هنا موص.
والمعنى : فمن خاف من الموصي جنفا أو إثما من ورثته ومن يوصى له ، فأصلح بينهم فلا إثم على الموصي المصلح ، وهذا معنى لم يذكره المفسرون ، إنما ذكروا أن الموصي مخوف منه لا خائف ، وأن الجنف أو الإثم من الموصي لا من ورثته ، ولا من يوصى له.
وأمال حمزة (خافَ) وقرأ هو والكسائي وأبو بكر : موص ، من ، وصا والباقون : موص ، من : أوصى ، وتقدم أنهما لغتان.
وقرأ الجمهور : جنفا ، بالجيم والنون ، وقرأ علي : حيفا ، بالحاء والياء.
وقال أبو العالية : الجنف الجهالة بموضع الوصية ، والإثم : العدول عن موضعها ،