القول ، وقد يتخلله بعض ما لا ينبغي من قول أو فعل ، فبين أن ذلك لا إثم فيه إذا كان لقصد الإصلاح ، ودلت الآية على جواز الصلح بين المتنازعين إذا خاف من يريد الصلح إفضاء تلك المنازعة إلى أمر محذور في الشرع. انتهى كلامه.
(إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ). قيل : غفور لما كان من الخائف ، وقيل : للمصلح رحيم حيث رخص ، وقيل : غفور للموصي فيما حدث به نفسه من الجنف والخطأ والعهد والإثم إذ رجع إلى الحق ، رحيم للمصلح.
وقال الراغب : أي متجاوز عن ما عسى أن يسقط من المصلح ما لم يجر.
وقد تضمنت هذه الآيات الشريفة ، أن البر ليس هو تولية الوجوه قبل المشرق والمغرب ، بل البر هو الإتيان بما كلفه الإنسان من تكاليف الشرع ، اعتقادا وفعلا وقولا. فمن الاعتقاد : الإيمان بالله ، وملائكته الذين هم وسائط بينه وبين أنبيائه ، وكتبه التي نزلت على أيدي الملائكة ، وأنبيائه المتقين. تلك الكتب من ملائكته. ثم ذكر ما جاءت به الأنبياء عن الله في تلك الكتب ، من : إيتاء المال ، وإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والإيفاء بالعهد ، والصبر في الشدائد. ثم أخبر أن من استوفى ذلك فهو الصابر المتقي ، ولما كان تعالى قد ذكر قبل ما حلل وما حرم ، ثم أتبع ذلك بمن أخذ مالا من غير حله ، وعده بالنار ، وأشار بذلك إلى جميع المحرمات من الأموال ، ثم ذكر من اتصف بالبر التام وأثنى عليهم بالصفات الحميدة التي انطووا عليها ، أخذ تعالى يذكر ما حرم من الدماء ، ويستدعي صونها ، وكان تقديم ذكر المأكول لعموم البلوى بالأكل ، فشرع القصاص ، ولم يخرج من وقع منه القتل واقتص منه عن الإيمان ، ألا تراه قد ناداه باسم الإيمان وفصل شيئا من المكافأة فقال : (الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى) (١) ثم أخبر ذلك أنه إذا وقع عفو من الولي على دية فليتبع الولي بالمعروف ، وليؤدي الجاني بالإحسان ليزرع بذلك الود بين القاتل والولي ، ويزيل الإحن ، لأن مشروعية العفو تستدعي على التآلف والتحاب وصفاء البواطن.
ثم ذكر أن ذلك تخفيف منه تعالى ، إذ فيه صون نفس القاتل بشيء من عرض الدنيا ، ثم توعد من اعتدى بعد ذلك ، ثم أخبر أن في مشروعية القصاص حياة ، إذ من علم أنه مقتول بمن قتل ، وكان عاقلا ، منعه ذلك من الإقدام على القتل ، إذ في ذلك إتلاف نفس
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١٧٨.