التخيير ، وصوم رمضان واجب على التعيين ، فكان غيره ، وأكثر المحققين على أن المراد بالأيام : شهر رمضان ، لأن قوله : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) يحتمل يوما ويومين وأكثر ، ثم بينه بقوله : (شَهْرُ رَمَضانَ) وإذا أمكن حمله على رمضان فلا وجه لحمله على غيره ، وإثبات النسخ ؛ وأما الخبر فيمكن أن يحمل على نسخ كل صوم وجب في الشرائع المتقدمة ، أو يكون ناسخا لصيام وجب لهذه الامة ، وأما ما ذكر من التكرار فيحتمل أن يكون لبيان إفطار المسافر والمريض في رمضان في الحكم ، بخلاف التخيير في المقيم ، فإنه يجب عليهما القضاء ، فلما نسخ عن المقيم الصحيح وألزم الصوم ، كان من الجائز أن نظن أن حكم الصوم ، لما انتقل إلى التخيير عن التضييق ، يعم الكل حتى يكون المريض والمسافر فيه بمنزلة المقيم من حيث تغير الحكم في الصوم ، لما بين أن حال المريض والمسافر في رخصة الإفطار ووجوب القضاء كحالهما أولا ، فهذه فائدة الإعادة ، وهذا هو الجواب عن الثالث ، وهو قولهم : لأن قوله تعالى : (فِدْيَةٌ) يدل على التخيير إلى آخره ، لأن صوم رمضان كان واجبا مخيرا ، ثم صار معينا. وعلى كلا القولين لا بد من النسخ في الآية ، أما على الأول فظاهر ، وأما على الثاني فلأن هذه الآية تقتضي أن يكون صوم رمضان واجبا مخيرا ، والآية التي بعد تدل على التضييق ، فكانت ناسخة لها ، والاتصال في التلاوة لا يوجب الاتصال في النزول. انتهى كلامه.
وانتصاب قوله : (أَيَّاماً) على إضمار فعل يدل عليه ما قبله ، وتقديره : صوموا أياما معدودات ، وجوزوا أن يكون منصوبا بقوله : الصيام ، وهو اختيار الزمخشري ، إذ لم يذكره غيره ، قال : وانتصاب أياما بالصيام كقولك : نويت الخروج يوم الجمعة ـ انتهى كلامه ـ وهو خطأ ، لأن معمول المصدر من صلته ، وقد فصل بينهما بأجنبي وهو قوله : (كَما كُتِبَ) فكما كتب ليس لمعمول المصدر ، وإنما هو معمول لغيره على أي تقدير قدرته من كونه نعتا لمصدر محذوف ، أو في موضع الحال ، ولو فرعت على أنه صفة للصيام على تقدير : أن تعريف الصيام جنس ، فيوصف بالنكرة ، لم يجز أيضا ، لأن المصدر إذا وصف قبل ذكر معموله لم يجز إعماله ، فإن قدّرت الكاف نعتا لمصدر من الصيام ، كما قد قال به بعضهم ، وضعّفناه قبل ، فيكون التقدير : صوما كما كتب ، جاز أن يعمل في : أياما ، الصيام ، لأنه إذ ذاك العامل في : صوما ، هو المصدر ، فلا يقع الفصل بينهما بما ليس لمعمول للمصدر ، وأجازوا أيضا انتصاب : أياما ، على الظرف ، والعامل فيه كتب ، وأن يكون مفعولا على السعة ثانيا ، والعامل فيه كتب ، وإلى هذا ذهب الفراء ، والحوفي ، وكلا القولين خطأ.