الاستطلاع إلى حال إيمان من اتبع الرسول في الحالتين ، أخبر تعال أنه لا يضيعه ، وأتى بكان المنفية بما الجائي بعدها لام الجحود ، لأن ذلك أبلغ من أن لا يأتي بلام الجحود.
فقولك : ما كان زيد ليقوم ، أبلغ مما : كان زيد يقوم ، لأن في المثال الأول : هو نفي للتهيئة والإرادة للقيام ، وفي الثاني : هو نفي للقيام. ونفي التهيئة والإرادة للفعل أبلغ من نفي الفعل ، لأن نفي الفعل لا يستلزم نفي إرادته ، ونفي التهيئة والصلاح والإرادة للفعل تستلزم نفي الفعل ، فلذلك كان النفي مع لام الجحود أبلغ. وهكذا القول فيما ورد من هذا النحو في القرآن وكلام العرب. وهذه الأبلغية إنما هي على تقدير مذهب البصريين ، فإنهم زعموا أن خبر كان التي بعدها لام الجحود محذوف ، وأن اللام بعدها إن مضمرة ينسبك منها مع الفعل بعدها مصدر ، وذلك الحرف متعلق بذلك الحرف المحذوف ، وقد صرّح بذلك الخبر في قول بعضهم :
سموت ولم تكن أهلا لتسمو
ومذهب الكوفيين : أن اللام هي الناصبة ، وليست أن مضمرة بعده ، وأن اللام بعدها للتأكيد ، وأن نفس الفعل المنصوب بهذه اللام هو خبر كان ، فلا فرق بين : ما كان زيد يقوم ، وما كان زيد ليقوم ، إلا مجرد التأكيد الذي في اللام. والكلام على هذين المذهبين مذكور في علم النحو.
(إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) : ختم هذه الآية بهذه الجملة ظاهر ، وهي جارية مجرى التعليل لما قبلها ، أي للطف رأفته وسعة رحمته ، نقلكم من شرع إلى شرع أصلح لكم وأنفع في الدين ، أو لم يجعل لها مشقة على الذين هداهم ، أو لا يضيع إيمان من آمن ، وهذا الأخير أظهر. والألف واللام في بالناس يحتمل الجنس ، كما قال : (اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ) (١) ، (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) (٢) ، (وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً) (٣) ، ويحتمل العهد ، فيكون المراد بالناس المؤمنين. وقرأ الحرميان وابن عامر وحفص : لرؤوف ، مهموزا على وزن فعول حيث وقع ، قال الشاعر :
نطيع رسولنا ونطيع ربا |
|
هو الرحمن كان بنا رؤوفا |
__________________
(١) سورة الشورى : ٤٢ : ١٩.
(٢) سورة الأعراف : ٧ / ١٥٦.
(٣) سورة غافر : ٤٠ / ٧.