الإسناد للغائب طريقان للعرب : أشهرهما : مراعاة السابق من تكلم أو خطاب كهذا ، وكقولهم : (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ) (١) (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) (٢). وكقول الشاعر :
وإنا لقوم ما نرى القتل سبة
والطريق الثاني : مراعاة الخبر كقولك : أنا رجل يأمر بالمعروف ، وأنت امرؤ يريد الخير ، والكلام على هذه المسألة متسع في علم العربية ، وقد تكلمنا عليها في كتابنا الموسوم ب (منهج السالك) والعامل في : إذا ، قوله أجيب.
وروي أنه نزل قوله : (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ) لما نزل : (فَإِنِّي قَرِيبٌ) وقال المشركون : كيف يكون قريبا من بيننا وبينه على قولك سبع سموات في غلظ ، سمك كل سماء خمسمائة عام ، وفي ما بين كل سماء وسماء مثل ذلك ، فبين بقوله : (أُجِيبُ) : أن ذلك القرب هو الإجابة والقدرة ، وظاهر قوله : (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ) عموم الدعوات ، إذ لا يريد دعوة واحدة ، والهاء في : دعوة ، هنّا ليست للمرة ، وإنما المصدر هنا بني على فعلة نحو. رحمة ، والظاهر عموم الداعي لأنه لا يدل على داع مخصوص ، لأن الألف واللام فيه ليست للعهد ، وإنما هي للعموم. والظاهر تقييد الإجابة بوقت الدعاء ، والمعنى على هذا الظاهر أن الله تعالى يعطي من سأله ما سأله.
وذكروا قيودا في هذا الكلام ، وتخصيصات ، فقيدت الإجابة بمشيئة الله تعالى. التقدير : إن شئت ، ويدل عليه التصريح بهذا القيد في الآية الأخرى ، فيكشف ما تدعون إليه إن شاء ، وقيل : بوفق القضاء أي : أجيب إن وافق قضائي ، وهو راجع لمعنى المشيئة ، وقيل : يكون المسئول خير السائل ، أي : إن كان خيرا. وقيل : يكون المسئول غير محال ، وقد يثبت بصريح العقل وصحيح النقل أن بعض الدعاة لا يجيبه الله إلى ما سأل ، ولا يبلغه المقصود مما طلب ، فخصصوا الداعي بأن يكون : مطيعا مجتنبا لمعاصيه.
وقد صح أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال في الرجل يطيل السفر : «أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب ، ومطعمه حرام ، وملبسه حرام ، ومشربه حرام ، وغذي بالحرام ، فأنّى يستجاب له»؟.
__________________
(١) سورة النمل : ٢٧ / ٤٧.
(٢) سورة النمل : ٢٧ / ٥٥.