وكل هذه التفاسير خلاف الظاهر.
(فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي) أي : فليطلبوا إجابتي لهم إذا دعوني ، قاله ثعلب ، فيكون : استفعل ، قد جاءت بمعنى الطلب ، كاستغفر ، وهو الكثير فيها : أو فليجيبوا لي إذا دعوتهم إلى الإيمان والطاعة كما أني أجيبهم إذا دعوني لحوائجهم ، قاله مجاهد ، وأبو عبيدة ، وغيرهما. ويكون : استفعل ، فيه بمعنى أفعل ، وهو كثير في القرآن (فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ) (١) (فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى) (٢) إلا أن تعديته في القرآن باللام ، وقد جاء في كلام العرب معدى بنفسه قال :
وداع دعا يا من يجيب إلى النداء |
|
فلم يستجبه عند ذاك مجيب |
أي : فلم يجبه ، ومثل ذلك ، أعني كون استفعل موافق أفعل ، قولهم : استبل بمعنى أبل ، واستحصد الزرع واحصد ، واستعجل الشيء وأعجل ، واستثاره وأثاره ، ويكون استفعل موافقة أفعل متعديا ولازما ، وهذا المعنى أحد المعاني التي ذكرناها لاستفعل في قوله : (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (٣).
وقال أبو رجاء الخراساني : معناه فليدعوا لي ، وقال الأخفش : فليذعنوا الإجابة ، وقال مجاهد أيضا ، والربيع : فليطيعوا ، وقيل : الاستجابة هنا التلبية ، وهو : لبيك اللهم لبيك ، واللام لام الأمر ، وهي ساكنة ، ولا نعلم أحدا قرأها بالكسر.
(وَلْيُؤْمِنُوا بِي) معطوف على : فليجيبوا لي ، ومعناه الأمر بالإيمان بالله ، وحمله على الأمر بإنشاء الإيمان فيه بعد لأن صدر الآية يقتضي أنهم مؤمنون ، فلذلك يؤول على الديمومة ، أو على إخلاص الدين ، والدعوة ، والعمل ، أو في الثواب على الاستجابة لي بالطاعة أو بالإيمان وتوابعه ، أو بالإيمان في : أني أجيب دعاءهم ، خمسة أقوال آخرها لأبي رجاء الخراساني.
(لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) قراءة الجمهور بفتح الياء وضم الشين ، وقرأ قوم : يرشدون مبنيا للمفعول ، وروي عن أبي حيوة ، وإبراهيم بن أبي عبلة : يرشدون بفتح الياء وكسر الشين ، وذلك باختلاف عنهما ، وقرىء أيضا يرشدون بفتحهما ، والمعنى : أنهم إذا استجابوا لله
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ١٩٥.
(٢) سورة الأنبياء : ٢١ / ٩٠.
(٣) سورة الفاتحة : ١ / ٥.