لا يمكن تطرق التغيير إلى أحوالها ، فأظهر تعالى الاختلاف في القمر ولم يظهره في الشمس ليعلم أن ذلك بقدرة منه تعالى.
والحج : معطوف على قوله : للناس ، قالوا : التقدير ومواقيت للحج ، فحذف الثاني اكتفاء بالأوّل ، والمعنى : لتعرفوا بها أشهر الحج ومواقيته. ولما كان الحج من أعظم ما يطلب ميقاته وأشهره بالأهلة ، أفرد بالذكر ، وكأنه تخصيص بعد تعميم ، إذ قوله : مواقيت للناس ، ليس المعنى مواقيت لذوات الناس ، وإنما المعنى : مواقيت لمقاصد الناس المحتاج فيها للتأقيت دينا ودنيا. فجاء قوله : والحج ، بعد ذلك تخصيصا بعد تعميم. ففي الحقيقة ليس معطوفا على الناس ، بل على المضاف المحذوف الذي ناب الناس منابه في الإعراب. ولما كانت تلك المقاصد يفضي تعدادها إلى الإطناب ، اقتصر على قوله : مواقيت للناس.
وقال القفال : إفراد الحج بالذكر لبيان أن الحج مقصور على الأشهر التي عينها الله تعالى لفرض الحج ، وأنه لا يجوز نقل الحج على تلك الأشهر لأشهر أخر ، إنما كانت العرب تفعل ذلك في النسيء. انتهى كلامه.
وقرأ الجمهور : والحج ، بفتح الحاء. وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق : والحج بكسرها في جميع القرآن في قوله : (حِجُّ الْبَيْتِ) (١) فقيل بالفتح المصدر وبالكسر الاسم. وقال سيبويه : الحج ، كالردّ والسدّ ، والحج ، كالذكر ، فهما مصدران. والظاهر من قوله : مواقيت للناس والحج ، ما ذهب إليه أبو حنيفة ، ومالك عن جواز الإحرام بالحج في جميع السنة لعموم الأهلة ، خلافا لمن قال : لا يصح إلّا في أشهر الحج. قيل : وفيها دليل على أن من وجب عليها عدتان من رجل واحد اكتفت بمضي عدة واحدة للعدتين ، ولا تستأنف لكل واحدة منهما حيضا ، ولا شهورا ، لعموم قوله : مواقيت للناس. ودليل على أن العدة إذا كان ابتداؤها بالهلال ، وكانت بالشهور ، وجب استيفاؤها بالأهلة لا بعدد الأيام ، ودليل على أن من آلى من امرأته من أول الشهر إلى أن مضى الأربعة الأشهر معتبر في اتباع الطلاق بالأهلة دون اعتبار الثلاثين ، وكذلك فعل النبي صلىاللهعليهوسلم حين آلى من نسائه شهرا ، وكذلك الإجارات ، والأيمان ، والديون ، متى كان ابتداؤها بالهلال كان جميعها كذلك ، وسقط اعتبار العدد ، وبذلك حكم النبي صلىاللهعليهوسلم في الصوم ، وفيها ردّ على أهل الظاهر. ومن قال بقولهم : إن
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ٩٧.