العادة به قبل الحج أن يفعلوه ، في الحج ، ولما ذكر سؤالهم عن الأهلة بسبب النقصان والزيادة ، وما حكمة ذلك ، وكان من المعلوم أنه تعالى حكيم ، فأفعاله جارية على الحكمة ، ردّ عليهم بأن ما يفعلونه من إتيان البيوت من ظهورها ، إذا أحرموا ، ليس من الحكمة في شيء ، ولا من البر ، أو لما وقعت القصتان في وقت واحد نزلت الآية فيهما معا ، ووصل إحداهما بالأخرى.
وأما حمل الإتيان والبيوت على المجاز ففيه أقوال.
أحدها : أن ذلك ضرب ، مثل : المعنى ليس البر أن تسألوا الجهال ، ولكن اتقوا واسألوا العلماء. فهذا كما يقال : أتيت الأمر من بابه ، قاله أبو عبيدة.
الثاني : أنه ذكر إتيان البيوت من أبوابها مثلا لمخالفة الواجب في الحج ، وذلك ما كانوا يعملونه في النسيء ، فانهم كانوا يخرجون الحج عن وقته الذي عينه الله تعالى ، فيحرمون الحلال ويحلون الحرام ، فضرب مثلا للمخالفة ، وقيل : واتقوا الله تحت إتيان كل واجب في اجتناب كل محرم. قاله أبو مسلم.
الثالث : أن إتيان البيوت من ظهورها كناية عن العدول عن الطريق الصحيح ، وإتيانها كناية عن التمسك بالطريق الصحيح ، وذلك أن الطريق المستقيم أن يستدل بالمعلوم على المظنون ، وقد ثبت أن الصانع حكيم لا يفعل إلّا الصواب ، وقد عرفنا أن اختلاف أحوال القمر في نوره من فعله ، فيعلم أن فيه مصلحة وحكمة ، فهذا استدلال بالمعلوم على المجهول. أما أن نستدل بعدم علمنا بما فيه من الحكمة على أن فاعله ليس بحكيم فهذا استدلال بالمجهول على المعلوم ، فالمعنى : أنكم لما لم تعلموا حكمته في اختلاف القمر ، صرتم شاكين في حكمة الخالق ، فقد أتيتم ما تظنونه برا ، إنما البرّ أن تأتوا البيوت من أبوابها فتستدلوا بالمعلوم ، وهو حكمة الخالق على المجهول ، فتقطعوا أن فيه حكمة بالغة ، وإن كنتم لا تعلمون ، قاله في (ريّ الظمآن) وهو قول ملفق من كلام الزمخشري.
قال الزمخشري : ويحتمل أن يكون هذا تمثيلا لتعكيسهم في سؤالهم ، وأن مثلهم فيه كمثل من يترك باب البيت ويدخله من ظهره ، والمعنى : ليس البرّ ، وما ينبغي أن يكونوا عليه ، بأن تعكسوا في مسائلكم ، ولكن البر بر من اتقى ذلك وتجنبه ، ولم يجسر على مثله.
ثم قال : (وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها) أي : وباشروا الأمور من وجوهها التي يجب أن