مكة ، وأهل ذي طوى ، وهو مذهب مالك. وقال بعض العلماء : من كان بحيث تجب عليه الجمعة بمكة فهو حضري ، ومن كان أبعد من ذلك فهو بدوي ، فجعل اللفظة من الحضارة والبداوة.
والظاهر أن حاضري المسجد الحرام سكان مكة فقط ، لأنهم هم الذين يشاهدون المسجد الحرام ، وسائر الأقوال لا بد فيها من ارتكاب مجاز ، فيه بعد ، وبعضه أبعد من بعض ، وذكر حضور الأهل والمراد حضوره وهو ، لأن الغالب أن يسكن حيث أهله ساكنون.
(وَاتَّقُوا اللهَ) لما تقدم : أمر ، ونهي ، وواجب ، ناسب أن يختم ذلك بالأمر بالتقوى في أن لا يتعدى ما حدّه الله تعالى ، ثم أكد الأمر بتحصيل التقوى بقوله : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) ، لأن من علم شدة العقاب على المخالفة كان حريصا على تحصيل التقوى ، إذ بها يأمن من العقاب ، وشديد العقاب من باب إضافة الصفة للموصوف للشبهة ، والإضافة والنصب أبلغ من الرفع ، لأن فيها إسناد الصفة للموصوف ، ثم ذكر ، من هي له حقيقة ، والرفع إنما فيه إسنادها لمن هي له حقيقة فقط دون إسناد للموصوف.
وقد تضمنت هذه الآيات الكريمة أنهم يسألون رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن حال الأهلة ، وفائدتها في تنقلها من الصغر إلى الكبر ، وكان من الإخبار بالمغيب ، فوقع السؤال عن ذلك ، وأجيبوا بأن حكمة ذلك كونها جعلت مواقيت لمصالح العباد ومعاملاتهم ودياناتهم ، ومن أعظم فائدتها كونها مواقيت للحج ، ثم ذكر شيئا مما كان يفعله من أحرم بالحج ، وكانوا يرون ذلك برا ، فرد عليهم فيه ، وأمروا بأن يأتوا البيوت من أبوابها ، وأخبروا أن البر هو في تقوى الله ، ثم أمروا بالتقوى راجين للفلاح عند حصولها ، ثم أمروا بالقتال في نصرة الدين من قاتلهم ، ونهوا عن الاعتداء ، وأخبر أن الله تعالى لا يحب من اعتدى ، ثم أمروا بقتل من ظفروا به ، وبإخراج من أخرجهم من المكان الذي أخرجوه منه ، ثم أخبر أن الفتنة في الدين أو بالإخراج من الوطن ، أو بالتعذيب أشد من القتل ، لأن في القتل راحة من هذا كله ، ثم لما تضمن الأمر بالإخراج أن يخرجوا من المكان الذي أخرجوا منه ، وكان ذلك من جملته المسجد الحرام نهوا عن مقاتلتهم فيه إلّا إن قاتلوكم ، وذلك لحرمة المسجد الحرام جاهلية وإسلاما ، ثم أمر تعالى بقتلهم إذا ناشبوا القتال ، وكان فيه بشارة بأنا نقتلهم ، إذ أمرنا بقتلهم لا بقتالهم ، ولا يقتل الإنسان إلّا من كان متمكنا من قتله ، ثم ذكر أن من كفر بالله فمثل هذا الجزاء جزاؤه من مقاتلته وإخراجه من وطنه وقتله ، ثم أخبر تعالى أنه غفور رحيم