بالوجهين ، ووقف حمزة عليها بالتاء ، ووقف الباقون بالهاء. فأمّا وقف حمزة بالتاء فيحتمل وجهين.
أحدهما : أن يكون على مذهب من يقف من العرب على : طلحة ، وحمزة ، بالتاء ، كالوصل ، وهو كان القياس دون الإبدال. قال :
دار لسلمى بعد حول قد عفت |
|
بل جوز تيهاء كظهر الحجفت |
وقد حكى هذه اللغة سيبويه.
والوجه الآخر : أن تكون على نية الإضافة ، كأنه نوى تقدير المضاف إليه ، فأراد أن يعلم أن الكلمة مضافة ، وأن المضاف إليه مراد : كإشمام من أشم الحرف المضموم في الوقف ليعلم أن الضمة مرادة ، وفي قوله : (ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) إشارة إلى حصول أفضل ما عند الله للشهداء ، وهو رضاه تعالى.
وفي الحديث الصحيح ، في مجاورة أهل الجنة ربهم تعالى ، حين يسألهم : هل رضيتم؟ فيقولون : يا ربنا كيف لا نرضى وقد أدخلتنا جنتك وباعدتنا من نارك؟ فيقول : ولكم عندي أفضل من ذلك ، فيقولون : يا ربنا ، وما أفضل من ذلك؟ فيقول : أحل عليكم رضائي فلا أسخط عليكم بعده.
(وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) حيث كلفهم بالجهاد فعرضهم لثواب الشهداء ، قاله الزمخشري ؛ وقال ابن عطية : ترجئة تقتضي الحض على امتثال ما وقع به المدح في الآية ، كما في قوله : (فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ) تخويف يقتضي التحذير مما وقع به الذّم ، وتقدّم أن الرأفة أبلغ من الرحمة.
والعباد إن كان عاما ، فرأفته بالكافرين إمهالهم إلى انقضاء آجالهم ، وتيسير أرزاقهم لهم ، ورأفته بالمؤمنين تهيئته إياهم لطاعته ، ورفع درجاتهم في الجنة. وإن كان خاصا ، وهو الأظهر ، لأنه لما ختم الآية بالوعيد من قوله : (فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ) وكان ذلك خاصا بأولئك الكفار ، ختم هذه بالوعد المبشر لهم بحسن الثواب ، وجزيل المآب ، ودل على ذلك بالرأفة التي هي سبب لذلك ، فصار ذلك كناية عن إحسان الله إليهم ، لأن رأفته بهم تستدعي جميع أنواع الإحسان ، ولو ذكر أي نوع من الإحسان لم يفد ما أفاده لفظ الرأفة ، ولذلك كانت الكناية أبلغ ، ويكون إذ ذاك في لفظ : العباد ، التفاتا ، إذ هو خروج من ضمير غائب