الكوفيين ، فيغنى عن الربط لقيامها مقام الضمير ، والأولى أن يكون الجواب محذوفا لدلالة ما بعده عليه ، التقدير : يعاقبه.
قال عبد القاهر في كتاب (دلائل الإعجاز) : ترك هذا الإضمار أولى ، يعنى بالإضمار شديد العقاب له ، لأن المقصود من الآية التخويف لكونه في ذلك موصوفا بأنه شديد العقاب ، من غير التفات إلى كونه شديد العقاب. لهذا ، ولذلك سمى العذاب عقابا ، لأنه يعقب الجرم.
وذكر بعض من جمع في التفسير : أن هذه الآية : (سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ) مؤخرة في التلاوة ، مقدمة في المعنى ، والخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم ، قال : والتقدير : فإن زللتم إلى آخر الآية : سل يا محمد بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة فما اعتبروا ولا أذعنوا إليها ، هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله؟ أي : أنهم لا يؤمنون حتى يأتيهم الله. انتهى.
ولا حاجة إلى ادّعاء التقديم والتأخير ، بل هذه الآية على ترتبها أخذ بعضها بعنق بعض ، متلاحمة التركيب ، واقعة مواقعها ، فالمعنى : أنهم أمروا أن يدخلوا في الإسلام ، ثم أخبروا أن من زلّ جازاه الله العزيز الذي لا يغالب ، الحكيم الذي يضع الأشياء مواضعها ، ثم قيل : لا ينتظرون في إيمانهم إلّا ظهور آيات بينات ، عنادا منهم ، فقد أتتهم الآيات ، ثم سلّى نبيه صلىاللهعليهوسلم في استبطاء إيمانهم مع ما أتى به لهم من الآيات ، بقوله : (سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ) فما آمنوا بها بل بدلوا وغيروا ، ثم توعد من بدل نعمة الله بالعقاب الشديد ، فأنت ترى هذه المعاني متناسقة مرتبة الترتيب المعجز ، باللفظ البليغ الموجز ، فدعوى التقديم والتأخير المختص بضرورة الأشعار ، وبنظم ذوي الانحصار ، منزه عنها كلام الواحد القهار.
(زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا) نزلت في أبي جهل وأصحابه كانوا يتنعمون بما بسط الله لهم ، ويكذبون بالمعاد ، ويسخرون من المؤمنين الفقراء ، كعمار ، وصهيب ، وأبي عبيدة ، وسالم ، وعامر بن فهيرة ، وخباب ، وبلال ، ويقولون : لو كان نبينا لتبعه أشرافنا ، قاله ابن عباس ، في رواية الكلبي عن أبي صالح عنه.
وقال مقاتل : في عبد الله بن أبي ، وأصحابه ، كانوا يتنعمون ويسخرون من ضعفاء المؤمنين ، ويقولون : أنظروا إلى هؤلاء الذين يزعم محمد أنه يغلب بهم.
وقال عطاء : في علماء اليهود من بني قريظة ، والنضير ، وقينقاع ، سخروا من فقراء