وقيل : هذا الرزق في الدنيا ، وهو إشارة إلى تملك المؤمنين المستهزأ بهم أموال بني قريظة والنضير ، يصير إليهم بلا حساب ، بل ينالونها بأسهل شيء وأيسره ، قاله ابن عباس ، وقال نحوه القفال ، قال : قد فعل ذلك بهم بما أفاء عليهم من أموال صناديد قريش ، ورؤساء اليهود ، وبما فتح بعد وفاته على أيدي أصحابه.
وقالوا ما معناه : إنها متصلة بالكفار ، وقال الزمخشري يعني : أنه يوسع على من توجب الحكمة التوسعة عليه ، كما وسع على قارون وغيره ، فهذه التوسعة عليكم من جهة الله لما فيها من الحكمة ، وهي استدراجكم بالنعمة ، ولو كانت كرامة لكان أولياؤه المؤمنون أحق بها منكم ، انتهى كلامه.
ولم يذكر غيره في معنى هذه الجملة.
وقال ابن عطية : يحتمل أن يكون المعنى : والله يرزق هؤلاء الكفرة في الدنيا ، فلا تستعظموا ذلك ، ولا تقيسوا عليه الآخرة ، فإن الرزق ليس على قدر الكفر والإيمان ، بل يحسب لهذا عمله وهذا عمله ، فيرزقان بحساب ذلك ، بل الرزق بغير حساب الأعمال ، والأعمال مجازاتها محاسبة ومعادة ، إذ أجزاء الجزاء تقابل أجزاء الفعل المجازي عليه ، فالمعنى : إن المؤمن وإن لم يرزق في الدنيا ، فهو فوق الكافر يوم القيامة. انتهى كلامه. والذي يظهر عدم تخصيص الرزق بإحدى الطائفتين ، بل لما ذكر حاليهما من سخرية الكفار بهم في الدنيا ، بسبب ما رزقوا : من التمكن فيها ، والرياسة ، والبسط ، وتعالي المؤمنين عليهم في الآخرة. بسبب ما رزقوا من : الفوز ، والتفرد بالنعيم السرمدي ، بيّن أن ما يفعله من ذلك ويرزقه إياه إنما هو راجع لمشيئته السابقة ، وأنه لا يحاسبه أحد ، ولا يحاسب نفسه على ما يعطي ، لأن ذلك لا يكون إلّا لمن يخاف نفاذ ما عنده.
وقالوا في الحديث الصحيح : «يمين الله ملأى لا ينقصها شيء ما أنفق منذ خلق السموات والأرض ، فإن ذلك لم ينقص شيئا مما عنده».
ومفعول يشاء محذوف ، التقدير : من يشاء أن يرزقه ، دل عليه ما قبله ، وبغير حساب تقدمه ثلاثة أشياء يصلح تعلقه بها : الفعل ، والفاعل ، والمفعول الأول وهو : من. فإن كان للفعل فهو من صفات المصدر ، وإن كان للفاعل فهو من صفاته ، أو للمفعول فهو من صفاته ، فإذا كان للفعل كان المعنى : يرزق من يشاء رزقا غير حساب ، أي : غير ذي حساب ، ويعني بالحساب : العد ، فهو لا يحصي ولا يحصر من كثرته ، أو يعني به