الاتحاد في الإيمان قدر ، فاختلفوا فبعث الله ، ومن جعل ذلك في الكفر لا يحتاج إلى هذا التقدير ، إذ كانت بعثة النبيين إليهم ، وأول الرسل على ما ورد في الصحيح في حديث الشفاعة : نوح على نبينا وعليهالسلام ، يقول الناس له : أنت أول الرسل ، المعنى : إلى قوم كفار ، لأن آدم قبله ، وهو مرسل إلى بنيه يعلمهم الدين والإيمان. (فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) أي : أرسل النبيين مبشرين بثواب من أطاع ، ومنذرين بعقاب من عصى ، وقدّم البشارة لأنها أبهج للنفس ، وأقبل لما يلقى النبي ، وفيها اطمئنان المكلف ، والوعد بثواب ما يفعله من الطاعة ، ومنه. (فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا) (١) وانتصاب : مبشرين ومنذرين ، على الحال المقارنة.
(وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِ) معهم حال من الكتاب : وليس تعمل فيه أنزل ، إذ كان يلزم مشاركتهم له في الإنزال ، وليسوا متصفين ، وهي حال مقدرة أي : وأنزل الكتاب مصاحبا لهم وقت الإنزال لم يكن مصاحبا لهم ، لكنه انتهى إليهم.
والكتاب : أما أن تكون أل فيه للجنس ، وأما أن تكون للعهد على تأويل : معهم ، بمعنى مع كل واحد منهم ، أو على تأويل أن يراد به واحد معين من الكتب ، وهو التوراة. قاله الطبري ، أنزلت على موسى وحكم بها النبيون بعده ، واعتمدوا عليها كالأسباط وغيرهم ، ويضعف أن يكون مفردا وضع موضع الجمع ، وقد قيل به.
ويحتمل : بالحق ، أن يكون متعلقا : بأنزل ، أو بمعنى ما في الكتاب من معنى الفعل ، لأنه يراد به المكتوب ، أو بمحذوف ، فيكون في موضع الحال من الكتاب ، أي مصحوبا بالحق ، وتكون حالا مؤكدة لأن كتب الله المنزلة يصحبها الحق ولا يفارقها ، وهذه الجملة معطوفة على قوله : (فَبَعَثَ اللهُ).
ولا يقال : إن البشارة والنذارة إنما يكونان بالأمر والنهي ، وهما إنما يستفادان من إنزال الكتب فلم قدما على الإنزال مع أنهما ناشئان عنه؟ لأنه ذلك لا يلزم ، لأن البشارة والنذارة قد يكونان ناشئين عن غير الكتب من وحي الله لنبيه دون أن يكون ذلك كتابا يتلى ويكتب ، ولو سلم ذلك لكان تقديمهما هو الأولى لأنهما حالان من النبيين. فناسب اتصالهما بهم ، وإن كانا ناشئين عن إنزال الكتب.
__________________
(١) سورة مريم : ١٩ / ٩٧.