وقال القاضي : الوعد والوعيد من الأنبياء عليهمالسلام قبل بيان الشرع ممكن فيما يتصل بالعقليات من معرفة الله تعالى ، وترك الظلم وغيرهما ، انتهى كلامه.
وما ذكر لا يظهر ، لأن الوعد بالثواب والوعيد بالعقاب ليسا مما يقضي بهما العقل وحده على جهة الوجوب ، وإنما ذلك على سبيل الجواز ، ثم أتى الشرع بهما ، فصار ذلك الجائز في العقل واجبا بالشرع ، وما كان بجهة الإمكان العقلي لا يتصف به النبي على سبيل الوجوب إلّا بعد الوحي قطعا ، فإذن يتقدّم الوحي بالوعد والوعيد على ظهور البشارة والنذارة ممن أوحى إليه قطفا.
قال القاضي : وظاهر الآية يدل على أنه لا نبي إلّا ومعه كتاب منزل فيه بيان الحق ، طال ذلك الكتاب أو قصر ، دوّن أو لم يدوّن ، كان معجزا أو لم يكن ، لأن كون الكتاب منزلا معهم لا يقضي شيئا من ذلك. انتهى كلامه.
ويحتمل أن يكون التجوّز في : أنزل ، فيكون بمعنى : جعل ، كقوله : (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ) (١). ولما كان الإنزال الكثير منهم نسب إلى الجميع ، ويحتمل أن يكون التجوّز في الكتاب ، فيكون بمعنى الموحى به ، ولما كان كثيرا مما أوحي به بكتب ، أطلق على الجميع الكتاب تسمية للمجموع باسم كثير من أجزائه.
(لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) اللام لام العلة ، ويتعلق بأنزل ، والضمير في : ليحكم ، عائد على الله في قوله : فبعث الله ، وهو المضمر في : أنزل ، وهذا هو الظاهر ، والمعنى أنه تعالى أنزل الكتاب ليفصل به بين الناس ، وقيل : عائد على الكتاب أي : ليحكم الكتاب بين الناس ، ونسبة الحكم إليه مجاز ، كما أسند النطق إليه في قوله : (هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ) (٢) وكما قال :
ضربت عليك العنكبوت نسيجها |
|
وقضى عليك به الكتاب المنزل |
ولأن الكتاب هو أصل الحكم ، فأسند إليه ردا للأصل ، وهذا قول الجمهور ، وأجاز الزمخشري أن يكون الفاعل : النبي ، قال : ليحكم الله أو الكتاب أو النبي المنزل عليه ، وإفراد الضمير يضعف ذلك على أنه يحتمل ما قاله ، فيعود على أفراد الجمع ، أي : ليحكم كل نبي بكتابه ، ولا حاجة إلى هذا التكلف مع ظهور عود الضمير على الله تعالى ، ويبين
__________________
(١) سورة الحديد : ٥٧ / ٢٥.
(٢) سورة الجاثية : ٤٥ / ٢٩.