(فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) : هذا أمر بالبدار إلى فعل الخير والعمل الصالح. وناسب هذا أن من جعل الله له شريعة ، أو قبلة ، أو صلاة ، فينبغي الاهتمام بالمسارعة إليها. قال قتادة : الاستباق في أمر الكعبة رغما لليهود بالمخالفة. وقال ابن زيد : معناه : سارعوا إلى الأعمال الصالحة من التوجه إلى القبلة وغيره. وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون المعنى : فاستبقوا الفاضلات من الجهات ، وهي الجهات المسامتة للكعبة ، وإن اختلفت. وذكرنا أن استبق بمعنى : تسابق ، فهو يدل على الاشتراك. (إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ) (١) ، أي نتسابق ، كما تقول. تضاربوا. واستبق لا يتعدى ، لأن تسابق لا يتعدى ، وذلك أن الفعل المتعدي ، إذا بنيت من لفظ ، معناه : تفاعل للاشتراك ، صار لازما ، تقول : ضربت زيدا ، ثم تقول : تضاربنا ، فلذلك قيل : إن إلى هنا محذوفة ، التقدير : فاستبقوا إلى الخيرات. قال الراعي :
ثنائي عليكم آل حرب ومن يمل |
|
سواكم فإني مهتد غير مائل |
يريد ومن يمل إلى سواكم (أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً) : هذه جملة تتضمن وعظا وتحذيرا وإظهارا لقدرته ، ومعنى : (يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً) : أي يبعثكم ويحشركم للثواب والعقاب ، فأنتم لا تعجزونه ، وافقتم أم خالفتم ، ولذلك قال ابن عباس : يعني يوم القيامة. وقيل : المعنى : أينما تكونوا من الجهات المختلفة يأت بكم الله جميعا ، أي يجمعكم ويجعل صلاتكم كلها إلى جهة واحدة ، وكأنكم تصلون حاضري المسجد الحرام ، قاله الزمخشري. (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) تقدم شرح هذه الجملة ، وسيقت بعد الجملة الشرطية المتضمنة للبعث والجزاء ، أي لا يستبعد إتيان الله تعالى بالأشلاء المتمزقة في الجهات المتعددة المتفرقة ، فإن قدرة الله تتعلق بالممكنات ، وهذا منها. وقد تقدم لنا أن مثل هذه الجملة المصدرة بأن تجيء كالعلة لما قبلها ، فكان المعنى : إتيان الله بكم جميعا لقدرته على ذلك.
(وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) : لما ذكر تعالى أن لكل وجهة يتولاها ، أمر نبيه أن يولي وجهه شطر المسجد الحرام من أي مكان خرج ، لأن قوله : (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ) ظاهره أنه أمر له باستقبال الكعبة وهو مقيم بالمدينة. فبين بهذا الأمر الثاني تساوي الحالين إقامة وسفرا في أنه مأمور باستقبال البيت الحرام ، ثم عطف عليه : (وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) ، ليبين مساواتهم له في ذلك ، أي في
__________________
(١) سورة يوسف : ١٢ / ١٧.