يكون العامل قويا ضعيفا في حالة واحدة ، ولأنه يلزم من ذلك أن يكون المتعدي إلى واحد يتعدى إلى اثنين ، ولذلك تأوّل النحويون قوله هذا :
سراقة للقرآن يدرسه
وليس نظير ما مثل به من قوله : لزيد ضربت ، أي زيدا ضربت ، لأن ضربت في هذا المثال لم يعمل في ضمير زيد ، ولا يجوز أن يقدر عامل في لكل وجهة يفسره قوله موليها ، كتقديرنا زيدا أنا ضاربه ، أي اضرب زيدا أنا ضاربه ، فتكون المسألة من باب الاشتغال ، لأن المشتغل عنه لا يجوز أن يجر بحرف الجر. تقول : زيدا مررت به ، أي لابست زيدا ، ولا يجوز : بزيد مررت به ، فيكون التقدير : مررت بزيد مررت به ، بل كل فعل يتعدى بحرف الجر ، إذا تسلط على ضمير اسم سابق في باب الاشتغال ، فلا يجوز في ذلك الاسم السابق أن يجر بحرف جر ، ويقدر ذلك الفعل ليتعلق به حرف الجر ، بل إذا أردت الاشتغال نصبته ، هكذا جرى كلام العرب. قال تعالى : (وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) (١). وقال الشاعر :
أثعلبة الفوارس أم رباحا |
|
عدلت به طهية والخشابا |
وأما تمثيله : لزيد أبوه ضاربه ، فتركيب غير عربي. فإن قلت : لم لا تتوجه هذه القراءة على أن لكل وجهة في موضع المفعول الثاني لموليها ، والمفعول الأول هو المضاف إليه اسم الفاعل الذي هو مولّ ، وهو الهاء ، وتكون عائدة على أهل القبلات والطوائف ، وأنث على معنى الطوائف ، وقد تقدم ذكرهم ، ويكون التقدير : وكل وجهة الله مولّي الطوائف أصحاب القبلات؟ فالجواب : أنه منع من هذا التقدير نص النحويين على أن المتعدي إلى واحد هو الذي يجوز أن تدخل اللام على مفعوله ، إذا تقدّم. أما ما يتعدى إلى اثنين ، فلا يجوز أن يدخل على واحد منهما اللام إذا تقدم ، ولا إذا تأخر. وكذلك ما يتعدى إلى ثلاثة. ومولّ هنا اسم فاعل من فعل يتعدى إلى اثنين ، فلذلك لا يجوز هذا التقدير. وقال ابن عطية ، في توجيه هذه القراءة : أي فاستبقوا الخيرات لكل وجهة ولّاكموها ، ولا تعترضوا فيما أمركم بين هذه وهذه ، أي إنما عليكم الطاعة في الجميع. وقدم قوله : لكل وجهة على الأمر في قوله : فاستبقوا الخيرات ، للاهتمام بالوجهة ، كما تقدم المفعول. انتهى كلام ابن عطية ، وهو توجيه لا بأس به.
__________________
(١) سورة الإنسان : ٧٦ / ٣١.