و : من ، للتبعيض ، و : عن دينه ، متعلق بيرتدد ، والدين : هنا هو الإسلام ، لأن الخطاب مع المسلمين ، والمرتد إليه هو دين الكفر ، بدليل أن ضد الحق الباطل ، وبقوله : (فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ) وهذان شرطان أحدهما معطوف على الآخر بالفاء المشعرة بتعقيب الموت على الكفر بعد الردة واتصاله بها ، ورتب عليه حبوط العمل في الدنيا والآخرة. وهو حبطه في الدنيا باستحقاق قبله ، وإلحاقه في الأحكام بالكفار ، وفي الآخرة بما يؤول إليه من العقاب السرمدي ، وقيل : حبوط أعمالهم في الدنيا هو عدم بلوغهم ما يريدون بالمسلمين من الإضرار بهم ومكايدتهم ، فلا يحصلون من ذلك على شيء ، لأن الله قد أعزّ دينه بأنصاره.
وظاهر هذا الشرط والجزاء ترتب حبوط العمل على الموافاة على الكفر ، لا على مجرد الارتداد ، وهذا مذهب جماعة من العلماء ، منهم : الشافعي ، وقد جاء ترتب حبوط العمل على مجرد الكفر في قوله : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) (١) (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٢) (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) (٣) (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) (٤) والخطاب في المعنى لأمته ، وإلى هذا ذهب مالك ، وأبو حنيفة ، وغيرهما ، يعني : أنه يحبط عمله بنفس الردة دون الموافاة عليها ، وإن راجع الإسلام ، وثمرة الخلاف تظهر في المسلم إذا حج ، ثم ارتد ، ثم أسلم ، فقال مالك : يلزمه الحج ، وقال الشافعي : لا يلزمه الحج.
ويقول الشافعي : اجتمع مطلق ومقيد ، فتقيد المطلق ، ويقول غيره : هما شرطان ترتب عليهما شيئان ، أحد الشرطين : الارتداد ، ترتب عليه حبوط العمل ، الشرط الثاني : الموافاة على الكفر ، ترتب عليها الخلود في النار.
والجملة من قوله : وهو كافر ، في موضع الحال من الضمير المستكين في : فيمت ، وكأنها حال مؤكدة ، لأنه لو استغنى عنها فهم معناها ، لأن ما قبلها يشعر بالتعقيب للارتداد. وكون الحال جاء جملة فيها مبالغة في التأكيد ، إذ تكرر الضمير فيها مرتين ، بخلاف المفرد ، فإنه فيه ضمير واحد.
وتعرض المفسرون هنا لحكم المرتد ، ولم تتعرض الآية إلّا لحبوط العمل ، وقد ذكرنا الخلاف فيه هل يشترط فيه الموافاة على الكفر أم يحبط بمجرد الردة؟ وأما حكمه
__________________
(١) سورة المائدة : ٥ / ٥.
(٢) سورة الأنعام : ٦ / ٨٨.
(٣) سورة الأعراف : ٧ / ١٤٧.
(٤) سورة الزمر : ٣٩ / ٦٥.