ثم أخبر تعالى عن فرض القتال على المؤمنين ، وأنه مكروه للطباع لما فيه من إتلاف المهج وانتقاص الأموال ، وانتهاك الأجساد بالسفر فيه وبغيره ، ثم ذكر أن الإنسان قد يكره الشيء وهو خير له ، لأن عقابه إلى خير ، فالقتال ، وإن كان مكروها للطبع ، فإنه خير إن سلم ، فخيره بالظفر بأعداء الله ، وبالغنيمة ، واستيلاء عليهم قتلا ونهبا وتملك دار ، وإن قتل فخيره أن له عند الله مرتبة الشهداء.
ويكفيك ما ورد في هذه المرتبة العظيمة في كتاب الله ، وفيما صح عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثم ذكر مقابل هذا وهو قوله (وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ) فمن المحبوب ترك القتال ، وهو مدعاة إلى الدعاء والراحة ، وفي ذلك الشر العظيم من تسلط أعداء الله والإيقاع بالمسلمين ، واستئصال شأفتهم بالقتل والنهب وتملك ديارهم ، فمتى أخلد الإنسان إلى الراحة طمع فيه عدوه ، وبلغ منه مقاصده ، ولقد أحسن زهير حيث قال :
جريء متى يظلم يعاقب بظلمه |
|
سريعا ، وإن لايبد بالظلم يظلم |
ثم ذكر تعالى أنه يعلم ما لا يعلمون حيث شرع القتال ، فهو تعالى عالم بما يترتب لكم من المصالح الدينية والدنيوية على مشروعية القتال.
ثم ذكر تعالى أنهم سألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن القتال في الشهر الحرام ، لما كان وقع ذلك منهم ، لا على سبيل القصد ، بل على سبيل الظن أن الزمان الذي وقع فيه ليس هو من الشهر الحرام ، فأخبروا أن ذلك هو إثم كبير ، إذ كانت العادة أن الأشهر الحرم لا قتال فيها ، ثم ذكر أن أكبر من ذلك هو ما يرتكبه الكفار من صد المسلمين عن سبيل الله ، ومن الكفر بالله ، وبالمسجد الحرام ، ومن إخراج أهله منه.
ثم ذكر تعالى ان الفتنة أكبر من القتل وهو فتنة الرجل المسلم عن دينه ، أكبر من قتله وهو على دينه ، لأن تلك الفتنة تؤول به إلى النار ، وقتله هذا يؤول به إلى الجنة.
ثم أخبر تعالى عن دوام عداء عداوة الكفار ، وأن مقصدهم إنما هو فتنتكم عن دينكم ورجوعكم إلى ما هم عليه من الضلال ، وأنه متى أمكنهم ذلك وقدروا عليه قاتلوكم ، ثم أخبر تعالى أن من رجع عن دينه الحق إلى دينه الباطل ، ووافى على ذلك ، فجميع ما تقدّم من أعماله الصالحات قد بطلت في الدنيا بإلحاقه بالكفار ، وإجراء أحكام المرتدين عليه ، وفي الآخرة فلا يبقى لها ثمرة يرتجي بها غفرانا لما اجترح ، بل مآله إلى النار خالدا فيها.