المصاهرة فإن كان اليتيم غلاما زوجه ابنته ، أو جارية زوجها ابنه ، ورجح هذا القول بأن هذا خلطة لليتيم نفسه ، والشركة خلطة لماله ، ولأن الشركة داخلة في قوله : (قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ) ولم يدخل فيه الخلط من جهة النكاح ، فحمله على هذا الخلط أقرب. وبقوله : فإخوانكم في الدين ، فإن اليتيم إذا كان من أولاد الكفار وجب أن يتحرى صلاح ماله كما يتحرى في المسلم ، فوجب أن تكون الإشارة بقوله : فإخوانكم ، إلى نوع آخر من المخالطة ، وبقوله بعد : ولا تنكحوا المشركات ، فكأن المعنى : إن المخالطة المندوب إليها في اليتامى الذين هم لكم إخوان بالإسلام. أو الشرب من لبنه وشربه من لبنك ، وأكلك في قصعته وأكله في قصعتك ، قاله ابن عباس. أو : خلط المال بالمال في النفقة والمطعم والمسكن والخدم والدواب ، فيتناولون من أموالهم عوضا عن قيامكم بأمورهم ، بقدر ما يكون أجرة مثل ذلك في العمل ، والقائلون بهذا منهم من جوّز له ذلك ، سواء كان القيم غنيا أو فقيرا ، ومنهم من قال : إذا كان غنيا لم يأكل من ماله. أو : المضاربة التي يحصل بها تنمية أموالهم. والذي يظهر أن المخالطة لم تقيد بشيء لم يقل في كذا فتحمل على أي : مخالطة كانت مما فيه إصلاح لليتيم ، ولذلك قال : فإخوانكم ، أي : تنظرون لهم نظركم إلى إخوانكم مما فيه إصلاحهم.
وقد اكتنف هذه المخالطة الإصلاح قبل وبعد ، فقبل بقوله : (قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ) وبعد بقوله : (وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ) فالأولى أن يراد بالمخالطة ما فيه إصلاح لليتيم بأي طريق كان ، من مخالطة في مطعم أو مسكن أو متاجرة أو مشاركة أو مضاربة أو مصاهرة أو غير ذلك.
وجواب الشرط : فإخوانكم ، وهو خبر مبتدأ محذوف أي : فهم إخوانكم ، وقرأ أبو مجلز : فإخوانكم على إضمار فعل التقدير : فتخالطون إخوانكم ، وجاء جواب السؤال بجملتين : إحداهما : منعقدة من مبتدأ وخبر ؛ والثانية : من شرط وجزاء.
فالأولى : تتضمن إصلاح اليتامى وأنه خير ، وأبرزت ثبوتية منكرا مبتدأها ليدل على تناوله كل إصلاح على طريق البدلية ، ولو أضيف لعم ، أو لكان معهودا في إصلاح خاص ، فالعموم لا يمكن وقوعه ، والمعهود لا يتناول غيره ، فلذلك جاء التنكير الدال على عموم البدل ، وأخبر عنه : بخير ، الدال على تحصيل الثواب ، ليبادر المسلم إلى فعل ما فيه الخير طلبا لثواب الله تعالى.