يفسد من الذي يصلح ، ومعنى ذلك : أنه يجازي كلا منهما على الوصف الذي قام به ، وكثيرا ما ينسب العلم إلى الله تعالى على سبيل التحذير ، لأن من علم بالشيء جازى عليه ، فهو تعبير بالسبب عن المسبب ، و : يعلم ، هنا متعد إلى واحد ، وجاء الخبر هنا بالفعل المقتضي للتجدد ، وإن كان علم الله لا يتجدد ، لأنه قصد به العقاب والثواب للمفسد والمصلح ، وهما وصفان يتجدّدان من الموصوف بهما ، فتكرر ترتيب الجزاء عليهما لتكررهما ، وتعلق العمل بالمفسد أولا ليقع الإمساك عن الإفساد.
ومن ، متعلقة بيعلم على تضمين ما يتعدّى بمن ، كأن المعنى : والله يميز بعلمه المفسد من المصلح.
وظاهر الألف واللام أنها للاستغراق في جميع أنواع المفسد والمصلح ، والمصلح في مال اليتيم من جملة مدلولات ذلك ، ويجوز أن تكون الألف واللام للعهد ، أي : المفسد في مال اليتيم من المصلح فيه ، والمفسد بالإهمال في تربيته من المصلح له بالتأديب ، وجاءت هذه الجملة بهذا التقسيم لإن المخالطة على قسمين : مخالطة بإفساد ، ومخالطة بإصلاح. ولأنه لما قيل : (قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ) فهم مقابله ، وهو أن الإفساد شر ، فجاء هذا التقسيم باعتبار الإصلاح. ومقابله (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ) أي : لأخرجكم وشدد عليكم قاله ابن عباس ، والسدّي وغيرهما ، أو : لأهلككم ، قاله أبو عبيدة ، أو : لجعل ما أصبتم من أموال اليتامى موبقا ، قاله ابن عباس ، وهو معنى ما قبله ، أو : لكلفكم ما يشق عليكم ، قاله الزجاج ، أو : لآثمكم بمخالطتهم أو : لضيق عليكم الأمر في مخالطتهم ، قاله عطاء ، أو : لحرم عليكم مخالطتهم ، قاله ابن جرير. وهذه أقوال كلها متقاربة.
ومفعول : شاء ، محذوف لدلالة الجواب عليه ، التقدير : ولو شاء الله إعناتكم ، واللام في الفعل الموجب الأكثر في لسان العرب المجيء بها فيه ، وقرأ الجمهور لأعنتكم بتخفيف الهمزة ، وهو الأصل ، وقرأ البزي من طريق أبي ربيعة «بتليين الهمزة» وقرىء بطرح الهمزة وإلقاء حركتها على اللام كقراءة من قرأ : فلا اثم عليه ، بطرح الهمزة.
قال أبو عبد الله نصر بن علي المعروف بابن مريم : لم يذكر ابن مجاهد هذا الحرف ، وابن كثير لم يحذف الهمزة ، وإنما لينها وحققها ، فتوهموا أنها محذوفة ، فإن الهمزة همزة قطع فلا تسقط حالة الوصل ما تسقط همزات الوصل عند الوصل. انتهى كلامه. فجعل إسقاط الهمزة وهما ، وقد نقلها غيره قراءة كما ذكرناه.