وقيل هذه سؤالات ثلاثة بغير واو (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ) (١) (يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ) (٢) (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ) (٣) وثلاثة : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ) قيل إنها جاءت بغير واو العطف لأن سؤالهم عن تلك الحوادث وقع في أوقات متباينة متفرّقة ، فلم يؤت فيها بحرف العطف ، لأن كلّا منها سؤال مبتدأ. انتهى.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها هو أنه لما نهى عن مناكحة الكفار ، وتضمن مناكحة أهل الإيمان وإيثار ذلك ، بين حكما عظيما من أحكام النكاح ، وهو حكم النكاح في زمان الحيض. والمحيض ، كما قررناه ، هو مفعل ، هو مفعل من الحيض يصلح من حيث اللغة للمصدر والزمان والمكان ، فأكثر المفسرين من الأدباء زعموا أن المراد به المصدر ، وكأنه قيل : عن الحيض ، وبه فسره الزمخشري ؛ وبه بدأ ابن عطية قال : المحيض مصدر كالحيض ، ومثله المقيل من قال يقيل. قال الراعي :
بنيت مرافقهنّ فوق مزلة |
|
لا يستطيع بها القراد مقيلا |
وقال الطبري : المحيض اسم الحيض ، ومثله قول رؤبة في العيش :
إليك أشكوا شدّة المعيش |
|
ومرّ أعوام نتفن ريشي |
انتهى كلامه. ويظهر منه أنه فرق بين قول : المحيض مصدر كالحيض ، وبين قول الطبري : المحيض اسم الحيض ، ولا فرق بينهما ؛ يقال فيه مصدر ، ويقال فيه اسم مصدر ، والمعنى واحد. والقول بأن المحيض مصدر مروي عن ابن المسيب ؛ وقال ابن عباس : هو موضع الدم ، وبه قال محمد بن الحسن ، فعلى هذا يكون المراد منه المكان. ورجح كونه مكان الدم بقوله : (فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ) فلو أريد به المصدر لكان الظاهر منع الاستمتاع بها فيما فوق السرة ودون الركبة غير ثابت ، لزم القول بتطرق النسخ ، أو التخصيص ، وذلك خلاف الأصل ، فإذا حمل على موضع الحيض كان المعنى : فاعتزلوا النساء في موضع الحيض. قالوا واستعماله في الموضع أكثر وأشهر منه في المصدر انتهى.
ويمكن أن يرجح المصدر بقوله : (قُلْ هُوَ أَذىً). ومكان الدم نفسه ليس بأذى لأن الأذى كيفية مخصوصة وهو عرض ، والمكان جسم ، والجسم لا يكون عرضا. وأجيب عن هذا بأنه يكون على حذف إذا أريد المكان ، أي : ذو أذى.
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١٨٩.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ٢١٥.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ٢١٧.