وروي عن ابن عباس : ويصير المعنى فأتوهنّ في الطهر لا في الحيض أو من قبل النكاح لا من قبل الفجور ، قاله محمد بن الحنفية ، أو : من حيث أحل لكم غشيانهنّ بأن لا يكنّ صائمات ولا معتكفات ولا محرمات ، قاله الأصم. والأول أظهر ، لأن حمل : حيث ، على المكان والموضع هو الحقيقة ، وما سواه مجاز.
وإذا حمل على الأظهر كان في ذلك رد على من أباح إتيان النساء في أدبارهن. قيل : وقد انعقد الإجماع على تحريم ذلك ، وما روي من إباحة ذلك عن أحد من العلماء فهو مختلف غير صحيح ، والمعنى ، في أمركم الله باعتزالهنّ وهو الفرج ، أو من السرة إلى الركبتين.
(إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ) أي : الراجعين إلى الخير. وجاء عقب الأمر والنهي إيذانا بقبول توبة يقع منه خلاف ما شرع له ، وهو عام في التوابين من الذنوب.
(وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) أي : المبرئين من الفواحش ، وخصه بعضهم بأنه التائب من الشرك والمتطهر من الذنوب ، قاله ابن جبير ؛ أو بالعكس ، قاله عطاء ، ومقاتل ؛ وبعضهم خصه بالتائب من المجامعة في الحيض ، وقال مجاهد : من إتيان النساء في أدبارهنّ في أيام حيضهنّ ؛ وقال أبو العالية : التوابين من الكفر المتطهرين بالإيمان. وقال القتاد : التوابين من الكبائر والمتطهرين من الصغائر ، وقيل : التوابين من الذنوب والمتطهرين من العيوب. وقال عطاء أيضا : المتطهرين بالماء ، وقيل : من أدبار النساء فلا يتلوثون بالذنب بعد التوبة ، كأن هذا القول نظير لقوله تعالى ، حكاية عن قوم لوط : (أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ) (١).
والذي يظهر أنه تعالى ذكر في صدر الآية (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ) ودل السبب على أنهم كانت لهم حالة يرتكبونها حالة الحيض ، من مجامعتهنّ في الحيض في الفرج ، أو في الدبر ، ثم أخبر الله تعالى بالمنع من ذلك ، وذلك في حالة الحيض في الفرج أو في الدبر ، ثم أباح الإتيان في الفرج بعد انقطاع الدم والتطهر الذي هو واجب على المرأة لأجل الزوج ، وإن كان ليس مأمورا به في لفظ الآية ، فأثنى الله تعالى على من امتثل أمر الله تعالى ، ورجع عن فعل الجاهلية إلى ما شرعه تعالى ، وأثنى على من امتثلت أمره تعالى في مشروعية التطهر بالماء ، وأبرز ذلك في صورتين عامتين ، استدرج الأزواج والزوجات في ذلك ، فقال تعالى : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ
__________________
(١) سورة الأعراف : ٧ / ٨٢.