و : بأنفسهن ، متعلق : بتربص ، وظاهر الباء مع تربص أنها للسبب ، أي : من أجل أنفسهن ، ولا بد أن ذلك من ذكر الأنفس ، لأنه لو قيل في الكلام : يتربص بهن لم يجز ، لأنه فيه تعدية الفعل الرافع لضمير الاسم المتصل إلى الضمير المجرور ، نحو : هند تمر بها ، وهو غير جائز ، ويجوز هنا أن تكون زائدة للتوكيد ، والمعنى : يتربصن أنفسهن ، كما تقول : جاء زيد بنفسه ، وجاء زيد بعينه ، أي : نفسه وعينه ، لا يقال : إن التوكيد هنا لا يجوز ، لأنه من باب توكيد الضمير المرفوع المتصل ، وهو النون التي هي ضمير الإناث في : تربصن ، وهو يشترط فيه أن يؤكد بضمير منفصل ، وكان يكون التركيب : يتربصن هن بأنفسهن ، لأن هذا التوكيد ، لما جرّ بالباء ، خرج عن التبعية ، وفقدت فيه العلة التي لأجلها امتنع أن يؤكد الضمير المرفوع المتصل ، حتى يؤكد بمنفصل ، إذا أريد التوكيد للنفس والعين ، ونظير جواز هذا : أحسن بزيد وأجمل ، التقدير : وأجمل به ، فحذف وإن كان فاعلا ، هذا مذهب البصريين ، ولأنه لما جرّ بالباء خرج في الصورة عن الفاعل ، وصار كالفضلة ، فجاز حذفه : هذا على أن الأخفش ذكر في المسائل جواز : قاموا أنفسهم ، من غير توكيد ، وفائدة التأكيد هنا : أنهنّ يباشرن التربص ، وزوال احتمال أن غيرهنّ تباشر ذلك بهنّ ، بل هنّ أنفسهنّ هنّ المأمورات بالتربص ، إذ ذاك أدعى لوقوع الفعل منهنّ ، فاحتيج إلى ذلك التأكيد لما في طباعهنّ من الطموح إلى الرجال والتزويج ، فمتى أكد الكلام دل على شدة المطلوبة.
وانتصاب : ثلاثة ، على أنه ظرف ، إذ قدرنا : تربص ، قد أخذ مفعوله ، والمعنى : مدة ثلاثة قروء ، وقيل : انتصابه على أنه مفعول ، أي : ينتظرن معنى ثلاثة قروء ، وكلا الإعرابين منقول.
وتقدم الكلام في مدلول القروء في لسان العرب ، واختلف في المراد هنا.
فقال أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وابن مسعود ، وأبو موسى ، وابن عباس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، وعكرمة ، والضحاك ، ومقاتل ، والسدي ، والربيع ، وأبو حنيفة وأصحابه ، وغيرهم من فقهاء الكوفة : هو الحيض.
وقال زيد بن ثابت ، وعبادة بن الصامت ، وأبو الدرداء ، وعائشة ، وابن عمر ، وابن عباس ، والزهري ، وأبان بن عثمان ، وسليمان بن يسار ، والأوزاعي ، والثوري ، والحسن بن صالح ، ومالك ، والشافعي ، وغيرهم من فقهاء الحجاز : هو الطهر.