(وَالْمُطَلَّقاتُ) مبتدأ و (يَتَرَبَّصْنَ) خبر عن المبتدأ ، وصورته صورة الخبر ، وهو أمر من حيث المعنى ، وقيل : هو أمر لفظا ومعنى على إضمار اللام أي : ليتربصن ، وهذا على رأي الكوفيين ، وقيل : والمطلقات على حذف مضاف ، أي : وحكم المطلقات ويتربصن على حذف : أن ، حتى يصح خبرا عن ذلك المضاف المحذوف ، التقدير : وحكم المطلقات أن يتربصن ، وهذا بعيد جدا.
وقال الزمخشري ، بعد أن قال : هو خبر في معنى الأمر ، قال : فإخراج الأمر في صورة الخبر تأكيد الأمر وإشعار بأنه مما يجب أن يتلقى بالمسارعة إلى امتثاله ، فكأنهن امتثلن الأمر بالتربص ، فهو يخبر عنه ، موجودا ، ونحوه قولهم في الدعاء : رحمهالله ، أخرج في صورة الخبر عن الله ثقة بالاستجابة ، كأنما وجدت الرحمة فهو يخبر عنها ، وبناؤه على المبتدأ مما زاد فضل تأكيد ، ولو قيل : ويتربصن المطلقات ، لم يكن بتلك الوكادة. انتهى. وهو كلام حسن ، وإنما كانت الجملة الابتدائية فيها زيادة توكيد على جملة الفعل والفاعل لتكرار الاسم فيها مرتين : إحداهما بظهوره ، والأخرى بإضماره ، وجملة الفعل والفاعل يذكر فيها الاسم مرة واحدة.
وقال في (ري الظمآن) زيد فعل يستعمل في أمرين : أحدهما : تخصيص ذلك الفعل بذكر الأمر ، كقولهم : أنا كتبت في المهمّ الفلاني إلى السلطان ، والمراد دعوى الانفراد. الثاني : أن لا يكون المقصود ذلك ، بل المقصود أن تقديم المحدث عنه بحديث آكد لإثبات ذلك الفعل له ، كقولهم : هو يعطي الجزيل ، لا يريد الحصر ، بل المراد أن يحقق عند السامع أن إعطاء الجزيل دأبه.
ومعنى يتربصن : ينتظرن ولا يقدمن على تزوج. وقال القرطبي : هو خير على بابه ، وهو خبر عن حكم الشرع ، فإن وجدت مطلقة لا تتربص فليس من الشرع ، قيل : وحمله على الخبر هو الأولى ، لأن المخبر به لا بد من كونه ، وأما الأمر فقد يمتثل ، وقد لا يمتثل ، ولأنها لا تحتاج إلى نية وعزم. وتربص متعد ، إذ معناه : انتظر ، وجاء في القرآن محذوفا مفعوله ، ومثبتا ، فمن المحذوف هذا ، وقدروه : بتربص التزويج ، أو الأزواج ، ومن المثبت قوله : (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ) (١) (نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) (٢).
__________________
(١) سورة التوبة : ٩ / ٥٢.
(٢) سورة الطور : ٥٢ / ٣٠.