(ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) ذلك خطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم ، وقيل : لكل سامع ، ثم رجع إلى خطاب الجماعة فقال : منكم ، وقيل : ذلك بمعنى : ذلكم ، وأشار بذلك إلى ما ذكر في الآية من النهي عن العضل ، و : ذلك ، للبعد ناب عن اسم الإشارة الذي للقرب ، وهو : هذا ، وان كان الحكم قريبا ذكره في الآية ، وذلك يكون لعظمة المشير إلى الشيء ، ومعنى : يوعظ به أي يذكر به ، ويخوّف. و : منكم ، متعلق بكان ، أو بمحذوف في موضع الحال من الضمير المستكن في : يؤمن ، وذكر الإيمان بالله لأنه تعالى هو المكلف لعباده ، الناهي لهم ، والآمر. و : اليوم الآخر ، لأنه هو الذي يحصل به التخويف ، وتجنى فيه ثمرة مخالفة النهي. وخص المؤمنين لأنه لا ينتفع بالوعظ إلّا المؤمن ، إذ نور الإيمان يرشده إلى القبول (إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ) (١) وسلامة عقله تذهب عنه مداخلة الهوى ، (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) (٢).
(ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ) أي : التمكن من النكاح أزكى لمن هو بصدد العضل لما له في امتثال أمر الله من الثواب ، وأطهر للزوجين لما يخشى عليهما من الريبة إذا منعا من النكاح ، وذلك بسبب العلاقات التي بين النساء والرجال.
(وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) أي : يعلم ما تنطوي عليه قلوب الزوجين من ميل كل منهما للآخر ، لذلك نهى تعالى عن العضل ، قال معناه ابن عباس ؛ أو : يعلم ما فيه من اكتساب الثواب وإسقاط العقاب. أو : يعلم بواطن الأمور ومآلها. وأنتم لا تعلمون ذلك ، إنما تعلمون ما ظهر. أو : يعلم من يعمل على وفق هذه التكاليف ومن لا يعمل بها. ويكون المقصود بذلك : تقرير الوعد والوعيد.
قيل : وتضمنت هذه الآية ستة أنواع من ضروب الفصاحة ، والبلاغة ، من علم البيان.
الأول : الطباق ، وهو الطلاق والإمساك ، فإنهما ضدان ، والتسريح طباق ثان لأنه ضد الإمساك ، والعلم وعدم العلم ، لأن عدم العلم هو الجهل.
الثاني : المقابلة في (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) و (لا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً) قابل المعروف بالضرار ، والضرار منكر فهذه مقابلة معنوية.
__________________
(١) سورة الأنعام : ٦ / ٣٦.
(٢) سورة الرعد : ١٣ / ١٩ والزمر : ٣٩ / ٩.