ويحتمل أن يكون معناه الأمر كقوله : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ) (١) لكنه أمر تدب لا إيجاب ، إذ لو كان واجبا لما استحق الأجرة. وقال تعالى : (وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى) (٢) فوجوب الإرضاع إنما هو على الأب لا على الأم ، وعليه أن يتخذ له ظئرا إلّا إذا تطوعت الأم بإرضاعه ، وهي مندوبة إلى ذلك ، ولا تجبر عليه ، فإذا لم يقبل ثديها ، أو لم يوجد له ظئرا ، وعجز الأب عن الاستئجار وجب عليها إرضاعه ، فعلى هذا يكون الأمر للوجوب في بعض الوالدات.
ومذهب الشافعي أن الإرضاع لا يلزم إلّا الوالد أو الجد ، وإن علا. ومذهب مالك : أنه حق على الزوجة لأنه كالشرط ، إلّا أن تكون شريفة ذات نسب ، فعرفها أن لا ترضع.
وعنه خلاف في بعض مسائل الإرضاع (حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ) وصف الحولين بالكمال دفعا للمجاز الذي يحتمله حولين ، إذ يقال : أقمت عند فلان حولين ، وإن لم يستكملهما ، وهي صفة توكيد كقوله (عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) (٣) وجعل تعالى هذه المدة حدا عند اختلاف الزوجين في مدة الرضاع ، فمن دعا منهما إلى كمال الحولين فذلك له.
وظاهر قوله : أولادهن ، العموم ، فالحولان لكل ولد ، وهو قول الجمهور.
وروي عن ابن عباس أنه قال : هي في الولد يمكث في البطن ستة أشهر ، فإن مكث سبعة فرضاعه ثلاثة وعشرون ، أو : ثمانية ، فإثنان وعشرون ، أو : تسعة ، فأحد وعشرون ، وكان هذا القول انبنى على قوله تعالى : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) (٤) لأن ذلك حكم على الإنسان عموما.
وفي قوله : يرضعن ، دلالة على أن الأم أحق برضاع الولد ، وقد تكلم بعض المفسرين هنا في مسائل لا تعلق لها بلفظ القرآن ، منها : مدة الرضاع المحرمة ، وقدر الرضاع الذي يتعلق به التحريم ، والحضانة ومن أحق بها بعد الأم؟ وما الحكم في الولد إذا تزوجت الأم؟ وهل للذمية حق في الرضاعة؟ وأطالوا بنقل الخلاف والدلائل ، وموضوع هذا علم الفقه.
(لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) هذا يدل على أن الإرضاع في الحولين ليس بحد
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢٢٨.
(٢) سورة الطلاق : ٦٥ / ٦.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ١٩٦.
(٤) سورة الأحقان : ٤٦ / ١٥.