وقيل : مثل ذلك ، أجرة المثل والنفقة وترك المضارة ، روي ذلك عن ابن جبير ، ومجاهد ، ومقاتل ، وأبي سليمان الدمشقي ، واختاره القاضي أبو يعلى ، قالوا : ويشهد لهذا القول أنه معطوف على ما قبله ، وقد ثبت أن على : المولود له ، النفقة والكسوة ، وأن لا يضار ، فيكون مثل ذلك ، مشيرا إلى جميع ما على المولود له.
(فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما) الضمير في : أرادا ، عائد على الوالدة والمولود له ، والفصال : الفطام قبل تمام الحولين. إذا ظهر استغناؤه عن اللبن ، فلا بد من تراضيهما ، فلو رضي أحدهما وأبى الآخر لم يجبر ، قاله مجاهد ، وقتادة والزهري ، والسدي ، وابن زيد ، وسفيان وغيرهم.
وقيل : الفطام سواء كان في الحولين أو بعد الحولين قاله ابن عباس.
وتحرير هذا القول أنه قبل الحولين لا يكون إلّا بتراضيهما ، وأن لا يتضرر المولود ، وأما بعد تمامهما فمن دعا إلى الفصل فله ذلك إلا أن يلحق المولود بذلك ضرر ، وعلى هذين القولين يكون ذلك توسعة بعد التحديد.
وقال أبن بحر : الفصال أن يفصل كل واحد منهما القول مع صاحبه بتسليم الولد إلى أحدهما ، وذلك بعد التراضي والتشاور لئلا يقدم أحد الوالدين على ما يضر بالولد ، فنبه تعالى على أن ما كان متهم العاقبة لا يقدم عليه إلّا بعد اجتماع الآراء.
وقرىء : فإن أراد ، ويتعلق عن تراض ، بمحذوف لأنه في موضع الصفة لقوله : فصالا ، أي : فصالا كائنا ، وقدّره الزمخشري صادرا. و : عن ، للمجاوزة مجازا ، لأن ذلك معنى من المعاني لا جرم ، وتراض وزنه تفاعل ، وعرض فيه ما عرض في أظب جمع : ظبي ، إذ أصله أظبي على : أفعل ، فتنقلب الياء واوا لضمة ما قبلها ، ثم إنه لا يوجد في لسان العرب اسم آخره واو قبلها ضمة لغير الجمع ، وأنه متى أدّى إلى ذلك التصريف قلبت الواو ياء ، وحوّلت الضمة كسرة ، وكذلك فعل في تراض. وتفاعل هنا في تراض ، وتشاور على الأكثر من معانيه من كونه واقعا من اثنين ، وأخر التشاور لأنه به يظهر صلاح الأمور والآراء وفسادها ، و : منهما ، في موضع الصفة لتراض ، فيتعلق بمحذوف ، وهو مراد بعد قوله : وتشاور ، أي : منهما ، ويحتمل في تشاور أن يكون أحدهما شاور الآخر ، أو يكون أحدهما شاور غير الآخر لتجتمع الآراء على المصلحة في ذلك. (فَلا جُناحَ