معك. وقال تعالى : (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) ، ومن كان الله معه فهو الغالب ، ولما كانت الصلاة ناشئة عن الصبر ، وصار الصبر أصلا لجميع التكاليف الشاقة قال : (إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) ، فاندرج المصلون تحت الصابرين اندراج الفرع تحت الأصل. وأما قوله هناك : (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) (١) ، فأعاد الضمير عليها على ظاهر الكلام ، لأنها أشرف وأشق نتائج الصبر.
(وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ) ، قيل : سبب نزول هذه الآية أنه قيل لمن قتل في سبيل الله : مات فلان وذهب عنه نعيم الدنيا ولذتها ، فأنزلت. نهوا عن قولهم عن الشهداء أموات ، وأخبر تعالى أنهم أحياء ، وارتفاع أموات وأحياء على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي هم أموات ، بل هم أحياء. ويحتمل أن يكون بل أحياء ، مندرجا تحت قول مضمر ، أي بل قولوا هم أحياء. لكن يرجح الوجه الأول ، وهو أنه إخبار من الله تعالى قوله : (وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ) ، لأن معناه : أن حياتهم لا شعور لكم بها ، والظاهر أن المراد حقيقة الموت والحياة. وقيل : ذلك مجاز. واختلفوا فقيل : أموات بانقطاع الذكر ، بل أحياء ببقائه وثبوت الأجر. وكانت العرب تسمي من لا يبقى له ذكر بعد موته كالولد ، وغيره ميتا. وقيل : أموات بالضلال ، بل أحياء بالطاعة والهدى ، كما قال : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ) (٢). وإذا حمل الموت والحياة على الحقيقة فاختلفوا ، فقال قوم : معناه النهي عن قول الجاهلية أنهم لا يبعثون ، فالمعنى : أنهم سيحيون بالبعث ، فيثابون ثواب الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله. وأكثر أهل العلم على أنهم أحياء في الوقت. ومعنى هذه الحياة : بقاء أرواحهم دون أجسادهم ، إذ أجسادهم نشاهد فسادها وفناءها. واستدلوا على بقاء الأرواح بعذاب القبر ، وبقوله : (وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ) معناه : لا تشعرون بكيفية حياتهم. ولو كان المعنى بإحياء أنهم سيحيون يوم القيامة ، أو أنهم على هدى ونور ، لم يظهر لنفي الشعور معنى ، إذ هو خطاب للمؤمنين ، وهم قد علموا بالبعث ، وبأنهم كانوا على هدى. فلا يقال فيه : ولكن لا تشعرون ، لأنهم قد شعروا به وبقوله : (وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ) (٣).
وقد ذهب بعض الناس إلى أن الشهيد حي الجسد والروح ، ولا يقدح في ذلك عدم الشعور به من الحي غيره. فنحن نراهم على صفة الأموات وهم أحياء ، كما قال تعالى :
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٤٥.
(٢) سورة الأنعام : ٦ / ١٢٢.
(٣) سورة آل عمران : ٣ / ١٧٠.