لتخفيف براءة الرحم عن ماء الزوج ، ثم إذا انقضت العدة أبيح لها التزوج بزوج آخر ، إذ الموت لا يستديم موافاة إلى آخر عمر أحد. كما قيل :
وكما تبلى وجوه في الثرى |
|
فكذا يبلى عليهنّ الحزن |
(فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ). بلوغ أجلهنّ هو انقضاء المدة المضروبة في التربص ، والمخاطبون : بعليكم ، الأولياء ، أو الأئمة والحكام والعلماء ، إذ هم الذين يرجع إليهم في الوقائع ، أو عامة المؤمنين. أقوال ، ورفع الجناح عن الرجال في بلوغ النساء أجلهنّ لأنهم هم الذين ينكرون عليهنّ ، ويأخذونهنّ بأحكام العدد ، أو لأنهم إذ ذاك يسوغ لهم نكاحهن ، إذ كان ذلك في العدّة حراما ، فزال الجناح بعد انقضاء العدة.
والذي فعلن بأنفسهن : النكاح الحلال ، قاله مجاهد ، وابن شهاب ، أو : الطيب ، والتزين ، والنقلة من مسكن إلى مسكن ، قاله أبو جعفر الطبري ، ومعنى : بالمعروف أي : بالإشهاد ، وقيل : ما أذن فيه الشرع مما يتوقف النكاح عليه ، وقال الزمخشري : (فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَ) من التعرض للخطاب ، بالمعروف : بالوجه الذي لا ينكره الشرع ، والمعنى : أنهن لو فعلن ما هو منكر كان على الأئمه أن يكفوهن ، وإن فرطوا كان عليهم الجناح. انتهى كلامه. وهو حسن.
(وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) وعيد يتضمن التحذير ، وخبير للمبالغة ، وهو العلم بما لطف والتقصي له.
(وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ) نفى الله الحرج في التعريض بالخطبة ، وهو : إنك لجميلة ، وإنك لصالحة ، وإن من عزمي أن أتزوج ؛ وإني فيك لراغب ، وما أشبه ذلك ، أو : أريد النكاح ، وأحب امرأة كذا وكذا يعد أوصافها ، قاله ابن عباس. أو : إنك لنافقة ، وإن قضي شيء سيكون ، قاله الشعبي. أو : يصف لها نفسه ، وفخره ، وحسبه ، ونسبه ، كما فعل الباقر مع سكينة بنت حنظلة ، أو يقول لوليها : لا تسبقني بها ، كما قال صلىاللهعليهوسلم لفاطمة بنت قيس : «كوني عند أم شريك ولا تسبقيني بنفسك». وقد أوّل هذا على أنه منه صلىاللهعليهوسلم لفاطمة على سبيل الرأي فيمن يتزوجها ، لا أنه أرادها لنفسه ، ولذلك كره مجاهد أن يقول : لا تسبقيني بنفسك ، ورآه من المواعدة سرا ، أو يقول : ما عليك تأيم ، ولعل الله يسوق إليك خيرا ، أو رب رجل يرغب فيك ، أو : يهدي لها ويقوم بشغلها إذا كانت له رغبة في تزويجها.