قال ابراهيم : أو يقول كل ما سوى التصريح ، قاله ابن زيد ، والإجماع على أنه لا يجوز التصريح بالتزويج ، ولا التنبيه عليه ، ولا الرفث ، وذكر الجماع ، والتحريض عليه. وقد استدلت الشافعية بنفي الحرج في التعريض بالخطبة على أن التعريض بالندب لا يوجب الحد ، فكما خالف نهي حكمي التعريض والتصريح في الخطبة ، فكذلك في القذف.
(أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ) أي : أخفيتم في أنفسكم من أمر النكاح فلم تعرضوا به ولم يصرّحوا بذكر ، وكان المعنى رفع الجناح عمن أظهر بالتعريض أو ستر ذلك في نفسه ، وإذا ارتفع الحرج عمن تعرض باللفظ فأحرى أن يرتفع عمن كتم ، ولكنهما حالة ظهور وإخفاء عفى عنهما ، وقيل : المعنى أنه يعقد قلبه على أنه سيصرّح بذلك في المستقبل بعد انقضاء العدة ، فأباح الله التعريض ، وحرم التصريح في الحال ، وأباح عقد القلب على التصريح في المستقبل.
ولا يجوز أن يكون الإكنان في النفس هو الميل إلى المرأة ، لأنه كان يكون من قبيل إيضاح الواضحات ، لأن التعريض بالخطبة أعظم حالا من ميل القلب.
(عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَ) هذا عذر في التعريض ، لأن الميل متى حصل في القلب عسر دفعه ، فأسقط الله الحرج في ذلك ، وفيه طرف من التوبيخ ، كقوله : (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ) (١) وجاء الفعل بالسين التي تدل على تقارب الزمان المستقبل لا تراخيه ، لأنهن يذكرن عند ما انفصلت حبالهن من أزواجهن بالموت ، وتتوق إليهن الأنفس ، ويتمنى نكاحهن.
وقال الحسن ، معنى : ستذكرونهن ، كأنه قال : إن لم تنهوا. انتهى.
وقوله : ستذكرونهن ، شامل لذكر اللسان وذكر القلب ، فنفى الحرج عن التعريض وهو كسر اللسان ، وعن الإخفاء في النفس وهو ذكر القلب.
(وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا) هذا الاستدراك من الجملة التي قبله ، وهو قوله : ستذكرونهن ، والذكر يقع على أنحاء وأوجه ، فاستدرك منه وجه نهى فيه عن ذكر مخصوص ، ولو لم يستدرك لكان مأذونا فيه لاندراجه تحت مطلق الذكر الذي أخبر الله بوقوعه ، وهو نظير قولك : زيد سيلقى خالدا ولكن لا يواجهه بشرّ ، فاستدرك هذه الحالة مما
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١٨٧.