ودوام الصحبة ، وقع في بعض نفوس المؤمنين أن من طلق قبل البناء يكون قد أوقع جزأ من هذا المكروه ، فرفع الله الجناح في ذلك ، إذا كان أصل النكاح على المقصد الحسن.
(ما لَمْ تَمَسُّوهُنَ) قرأ حمزة والكسائي : تماسوهنّ ، مضارع ماس ، فاعل. وقرأ باقي السبعة مضارع مسست ، وفاعل : يقتضى اشتراك الزوجين في المسيس ، ورجح أبو علي قراءة : تمسوهنّ ، بأن أفعال هذا الباب جاءت ثلاثية ، نحو : نكح ، وسفد ، وفزع ، ودقط ، وضرب الفحل ، والقرابان حسنتان ، والمس هنا والمماسة : الجماع ، كقوله : (وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) (١) و : ما ، في قوله : (ما لَمْ تَمَسُّوهُنَ) الظاهر أنها ظرفية مصدرية ، التقدير : زمان عدم المسيس كقول الشاعر :
إني بحبلك واصل حبلي |
|
وبريش نبلك رائش نبلي |
ما لم أجدك على هدى أثر |
|
يقرو مقصك قائف قبلي |
وهذه ما ، الظرفية المصدرية ، شبيهة بالشرط ، وتقتضي التعميم نحو : أصحبك ما دمت لي محسنا ، فالمعنى : كل وقت دوام إحسان. وقال بعضهم : ما ، شرطية ، ثم قدرها بأن ، وأراد بذلك ، والله أعلم ، تفسير المعنى ، و : ما إذا كانت شرطا تكون اسما غير ظرف زمان ولا مكان ، ولا يتأتى هنا أن تكون شرطا بهذا المعنى.
وزعم ابن مالك أن : ما ، تكون شرطا ظرف زمان ؛ وقد رد ذلك عليه ابنه بدر الدين محمد في بعض تعاليقه ، وتأول ما استدل به والده ، وتأولنا نحن بعض ذلك ، بخلاف تأويل ابنه ، وذلك كله ذكرناه في كتاب (التكميل) من تأليفنا. على أن ابن مالك ذكر أن ما ذهب إليه لا يقوله النحويون ، وإنما استنبط هو ذلك من كلام الفصحاء على زعمه.
وزعم بعضهم أن : ما ، في قوله (ما لَمْ تَمَسُّوهُنَ) اسما موصولا والتقدير : إن طلقتم النساء اللاتي لم تمسوهنّ ، فلا يكون لفظ. ما ، شرطا ، وهذا ضعيف ، لأن : ما ، إذ ذاك تكون وصفا للنساء ، إذ قدرها بمعنى اللاتي ، و : ما ، من الموصولات التي لا يوصف بها بخلاف الذي والتي.
وكنى بالمسيس عن المجامعة تأديبا لعباده في اختيار أحسن الألفاظ فيما يتخاطبون.
(أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً) الفريضة هنا هو الصداق ، وفرضه تسميته.
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ٤٧ ومريم : ١٩ / ٢٠.