(فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا) ظاهره أن ثمّ قولا لله ، فقيل : قال لهم ذلك على لسان الرسول الذي أذن له في أن يقول لهم ذلك عن الله ، وقيل : على لسان الملك. وحكي : أن ملكين صاحا بهم : موتوا ، فماتوا. وقيل : سمعت الملائكة ذلك فتوفتهم ، وقيل : لا قول هناك ، وهو كناية عن قابليتهم الموت في ساعة واحدة وموتهم كموتة رجل واحد ، والمعنى : فأماتهم ، لكن أخرج ذلك مخرج الشخص المأمور بشيء ، المسرع الامتثال من غير توقف ، ولا امتناع ، كقوله تعالى : (كُنْ فَيَكُونُ) (١).
وفي الكلام حذف ، التقدير : فماتوا ، وظاهر هذا الموت مفارقة الأرواح الأجساد ، فقيل : ماتوا ثمانية أيام ثم أحياهم بعد ، بدعاء حزقيل ؛ وقيل : سبعة أيام ، وقد تقدّم في بعض القصص أنه عريت عظامهم وتفرقت أوصالهم ، وهذا لا يكون في العادة في ثمانية أيام ، وهذا الموت ليس بموت الآجال ، بل جعله الله في هؤلاء كمرض وحادث مما يحدث على البشر ، كحال (كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ) (٢) المذكورة بعد هذا.
(ثُمَّ أَحْياهُمْ) العطف بثم يدل على تراخي الإحياء عن الإماتة ، قال قتادة : أحياهم ليستوفوا آجالهم.
وظاهره أن الله هو الذي أحياهم بغير واسطة ، وقال مقاتل : كانوا قوم حزقيل ، فخرج فوجدهم موتى ، فأوحى الله إليه : إني جعلت حياتهم إليك ، فقال لهم : أحيوا. وقال ابن عباس : النبي شمعون ، وريح الموتى توجد في أولادهم. وقيل : النبي يوشع بن نون ، وقال وهب : اسمه شمويل وهو ذو الكفل ، وقال مجاهد : لما أحيوا رجعوا إلى قومهم يعرقون ، لكن سحنة الموت على وجوههم ولا يلبس أحد منهم ثوبا إلّا عاد كفنا دسما ، حتى ماتوا لآجالهم التي كتبت لهم ، وقيل : معنى إماتتهم تذليلهم تذليلا يجري مجرى الموت ، فلم تغن عنهم كثرتهم وتظاهرهم من الله شيئا ، ثم أعانهم وخلصهم ليعرفوا قدرة الله في أنه يذل من يشاء ، ويعز من يشاء ، وقيل : عنى بالموت : الجهل ، وبالحياة : العلم ، كما يحيا الجسد بالروح.
وأتت هذه القصة بين يدي الأمر بالقتال تشجيعا للمؤمنين ، وحثا على الجهاد
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١١٧ ، وآل عمران : ٣ / ٤٧ و ٥٩. والأنعام : ٦ / ٧٣. والنحل : ١٦ / ٤٠ ، ومريم : ١٩ / ٣٥ ، ويس : ٣٦ / ٨٣ ، وغافر : ٤٠ / ٦٨.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ٢٥٩.