والتعريض للشهادة ، وإعلاما أن لا مفر مما قضى الله تعالى : (قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللهُ لَنا) (١) واحتجاجا على اليهود ، والنصارى بإنبائه صلىاللهعليهوسلم بما لا يدفعون صحته ، مع كونه أمّيا لم يقرأ كتابا ، ولم يدارس أحدا ، وعلى مشركي العرب إذ من قرأ الكتب يصدقه في إخباره بما جاء به مما هو في كتبهم.
(إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) أكد هذه الجملة : بإن ، واللام ، وأتى الخبر : لذو ، الدالة على الشرف ، بخلاف صاحب ، و : الناس ، هنا عام ، لأن كل أحد لله عليه فضل أيّ فضل ، وخصوصا هنا ، حيث نبههم على ما به يستبصرون ويعتبرون على النشأة الآخرة ، وأنها ممكنة عقلا ، كائنة بإخباره تعالى : إذ أعاد إلى الأجسام البالية المشاهدة بالعين الأرواح المفارقة ، وأبقاها فيها الأزمان الطويلة إلى أن قبضها ثانية ، وأي فضل أجل من هذا الفضل ، إذ تتضمن جميع كليات العقائد المنجية وجزئياتها : ويجوز أن يراد : بالناس ، هاهنا الخصوص ، وهم هؤلاء الذين تفضل عليهم بالنعم ، وأمرهم بالجهاد ففروا منه خوفا من الموت ، فأماتهم ، ثم تفضل عليهم بالإحياء وطوّل لهم في الحياة ليستيقنوا أن لا مفر من القدر ، ويستدركوا ما فاتهم من الطاعات ، وقص الله علينا ذلك تنبيها على أن لا نسلك مسلكهم بل نمتثل ما يأمر به تعالى.
(وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) تقدّم فضل الله على جميع الناس بالإيجاد والرزق ، وغير ذلك ، فكان المناسب لهم أنهم يشكرون الله على ذلك ، وهذا الاستدراك : بلكن ، مما تضمنه قوله : (إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) والتقدير : فيجب عليهم أن يشكروا الله على فضله ، فاستدرك بأن أكثرهم لا يشكرون ، ودل على أن الشاكر قليل ، كقوله : (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) (٢) ويخص : الناس ، الثاني بالمكلفين.
(وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) هذا خطاب لهذه الأمة بالجهاد في سبيل الله ، وتقدّمت تلك القصة ، كما قلنا ، تنبيها لهذه الأمة أن لا تفر من الموت كفرار أولئك ، وتشجيعا لها ، وتثبيتا. وروي عن ابن عباس ، والضحاك : أنه أمر لمن أحياهم الله بعد موتهم بالجهاد ، أي : وقال لهم قاتلوا في سبيل الله. وقال الطبري : لا وجه لهذا القول. انتهى.
والذي يظهر القول الأول ، وأن هذه الآية ملتحمة بقوله :
__________________
(١) سورة التوبة : ٩ / ٥١.
(٢) سورة سبأ : ٣٤ / ١٣.