وانتصب : أضعافا ، على الحال من الهاء في : يضاعفه ، قيل : ويجوز أن ينتصب على أنه مفعول به ، تضمن معنى فيضاعفه : فيصيره. ويجوز أن ينتصب على المصدر باعتبار أن يطلق الضعف ، وهو المضاعف أو المضعف ، بمعنى المضاعفة أو التضعيف ، كما أطلق العطاء وهو اسم المعطى بمعنى الإعطاء ، وجمع لاختلاف جهات التضعيف باعتبار الإخلاص ، وهذه المضاعفة غير محدودة لكنها كثيرة.
قال الحسن ، والسدّي : لا يعلم كنه التضعيف إلّا الله تعالى : وهو قول ابن عباس ، وقد رويت مقادير من التضعيف ، وجاء في القرآن : (كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ) (١) ثم قال : (وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ) (٢).
قيل والآية عامّة في سائر وجوه البرّ من : صدقة ، وجهاد ، وغير ذلك ، وقيل : خاصة بالنفقة في الجهاد ، وقيل : بالصدقة وإنفاق المال على الفقراء المحتاجين.
(وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ) أي : يسلب قوما ويعطي قوما ، أو : يقتر ويوسع ، قاله الحسن ، أو : يقبض الصدقات ويخلف البذل مبسوطا ، أو : يقبض أي : يميت لأن من أماته فقد قبضه ، ويبسط أي : يحييه ، لأن من مدّ له في عمره فقد بسطه ، أو : يقبض بعض القلوب فلا تنبسط ، ويبسط بعضها فيقدّم خيرا لنفسه ، أو : يقبض بتعجيل الأجل ، ويبسط بطول الأمل ، أو : يقبض بالحظر ويبسط بالإباحة ، أو : يقبض الصدر ويوسعه ، أو يقبض يد من يشاء بالإنفاق في سبيله ، ويبسط يد من يشاء بالإنفاق ؛ قاله أبو سليمان الدمشقي وغيره ، أو : يقبض الصدقة ويبسط الثواب ، قاله الزجاج. وللمتصوّفة في : القبض والبسط ، أقاويل كثيرة غير هذه.
وقرأ حمزة بخلاف عن خلاد ، وحفص ، وهشام ، وقنبل ، والنقاش ، عن الأخفش هنا ، وأبو قرّة عن نافع : يبسط بالسين ، وخير الحلواني ، عن قالون ، عن نافع ، والباقون : بالصاد.
(وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) خبر معناه الوعيد أي : فيجازيكم بأعمالكم.
قيل : وتضمنت هذه الآية الكريمة من ضروب علم البيان ، وصنوف البلاغة : الاستفهام الذي أجري مجرى التعجب في قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ) والحذف بين : موتوا ثم أحياهم ، أي : فماتوا ثم أحياهم ، وفي قوله تعالى : فقال لهم الله ، أي : ملك الله بإذنه ،
__________________
(١ ـ ٢) سورة البقرة : ٢ / ٢٦١.