فزعا ، وقال : يا أبت دعوتني ، فكره أن يقول له : لا ، فيفزع ، فقال : يا بني نم ، فجرى بذلك له مرتين ، فقال له : إن دعوتك الثالثة فلا تجبني ، فظهر له جبريل ، فقال له اذهب فبلغ قومك رسالة ربك ، قد بعثك نبيا. فأتاهم ، فكذبوه ، وقالوا : إن كنت صادقا فابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله آية من نبوتك ، وكان قوام بني إسرائيل بالإجماع على الملوك ، وكان الملك يسير بالجموع ، والنبي يسدّده ويرشده وقال وهب : بعث شمويل نبيا فلبثوا أربعين سنة بأحسن حال ، وكان الله أسقط عنهم الجهاد إلّا من قاتلهم ، فلما كتب عليهم القتال تولوا ، ثم كان من أمر جالوت والعمالقة ما كان.
ومعنى : ابعث لنا ملكا : انهض لنا من نصدّر عنه في تدبير بالحرب ، وننتهي إلى أمره ، وانجزم : نقاتل ، على جواب الأمر.
وقرأ الجمهور بالنون والجزم ، والضحاك ، وابن أبي عبلة بالياء ورفع اللام على الصفة للملك ؛ وقرىء بالنون ورفع اللام على الحال من المجرور ، وقرىء بالياء والجزم على جواب الأمر.
(قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا) لما طلبوا من نبيهم أن ينهض لهم ملكا ، ورتبوا على بعثه أن يقاتلوا وكانوا قد ذلوا ، وسبي ملوكهم ، فأخذتهم الأنفة ، ورغبوا في الجهاد ، أراد أن يستتب ما طلبوه من الجهاد ، وأن يتعرف ما انطوت عليه بواطنهم ، فاستفهم عن مقاربتهم ترك القتال إن كتب عليهم ، فأنكروا أن يكون لهم داع إلى ترك القتال ، فقالوا : (وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا) أي هذه حال من يبادر إلى القتال ، لأنه طالب ثار ، ومترج أن يكون له الظفر من الله تعالى ، لأنهم علموا أن ما أصابهم إنما كان بذنوبهم ، فلما أقلعوا وتابوا ، ورجعوا لطوع الأنبياء ، قويت آمالهم بالنصر والظفر ، قيل : وكان النبي قد ظنّ منهم الجبن والفشل في القتال ، فلذلك استفهم ، وليبين أن ما ظنه وتوقعه من ذلك يكون منهم ، وكان كما توقع.
وقرأ نافع : عسيتم ، بكسر السين هنا وفي سورة القتال ، وقرأ الباقون بفتحها.
وقد تقدّم الكلام على : عسى ، قال أبو علي : الأكثر فتح السين ، وهو المشهور ، ووجه الكسر قول العرب : هو عس بذلك ، مثل : حروشج ، فإن أسند الفعل إلى ظاهر فقياس عسيتم ، أن يقال : عسي زيد ، مثل : رضي ، فإن قيل : فهو القياس وإن لم يقل فسائغ أن تأخذ باللغتين وتستعمل إحداهما في موضع الأخرى ، كما فعل ذلك بغيره. انتهى. والمحفوظ عن العرب أنه لا تكسر السين إلّا مع تاء المتكلم والمخاطب ونون