عليّ بأن يسلبهم القوى والعقول التي يكون بها التكليف ، ولكن كلفهم فاختلفوا بالكفر والإيمان. وقال عليّ بن عيسى : هذه مشيئة القدرة ، مثل : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) (١) ولم يشأ ذلك ، وشاء تكليفهم فاختلفوا وقال الزمخشري : ولو شاء الله مشيئة إلجاء وقسر ، وجواب لو : ما اقتتل ، وهو فعل منفي بما ، فالفصيح أن لا يدخل عليه اللام كما في الآية ، ويجوز في القليل أن تدخل عليه اللام ، فتقول : لو قام زيد لما قام عمرو ، و : من بعدهم صلة للذين ، فيتعلق بمحذوف أي : الذين كانوا من بعدهم ، والضمير عائد على الرسل ، وقيل : عائد على موسى وعيسى وأتباعهما.
وظاهر الكلام أنهم القوم الذين كانوا من بعد جميع الرسل ، وليس كذلك ، بل المراد : ما اقتتل الناس بعد كل نبي ، فلف الكلام لفا لم يفهمه السامع وهذا كما تقول : اشتريت خيلا ثم بعتها ، وإن كنت قد اشتريتها فرسا فرسا وبعته ، وكذلك هذا ، إنما اختلف بعد كل نبي ، و : من بعد ، قيل : بدل من بعدهم ، والظاهر أنه متعلق بقوله ما اقتتل ، إذ كان في البينات ، وهي الدلائل الواضحة ، ما يفضي إلى الاتفاق وعدم التقاتل ، وغنية عن الاختلاف الموجب للتقاتل.
(وَلكِنِ اخْتَلَفُوا) هذا الاستدراك واضح لأن ما قبلها ضدّ لما بعدها ، لأن المعنى : لو شاء الاتفاق لاتفقوا ، ولكن شاء الاختلاف فاختلفوا.
(فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ) من آمن بالتزامه دين الرسل واتباعهم ، ومن كفر باعراضه عن اتباع الرسل حسدا وبغيا واستئثارا بحطام الدنيا.
(وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا) قيل : الجملة تكررت توكيدا للأولى ، قاله الزمخشري. وقيل : لا توكيد لاختلاف المشيئتين ، فالأولى : ولو شاء الله أن يحول بينهم وبين القتال بأن يسلبهم القوى والعقول ، والثانية : ولو شاء الله أن يأمر المؤمنين بالقتال ، ولكن أمر وشاء أن يقتتلوا ، وتعلق بهذه الآية مثبتو القدر ونافوه ، ولم يزل ذلك مختلفا فيه حتى كان الأعشى في الجاهلية نافيا حيث قال :
استأثر الله بالوفاء وبالعد |
|
ل وولى الملامة الرجلا |
وكان لبيد مثبتا حيث قال :
__________________
(١) سورة يونس : ١٠ / ٩٩.