(وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) إخبار من الله تعالى بأن الظالم لا يهديه ، وظاهره العموم ، والمراد هداية خاصة ، أو ظالمون مخصوصون ، فما ذكر في الهداية الخاصة أنه لا يرشدهم في حجتهم ، وقيل : لا يهديهم إلى الثواب في الآخرة ولا إلى الجنة ، وقيل : لا يلطف بهم ولا يلهم ولا يوفق ، وخص الظالمون بمن يوافي ظالما أي كافرا.
والذي يظهر أن هذا إخبار من الله بأن من حكم عليه ، وقضى بأن يكون ظالما أي كافرا وقدّر أن لا يسلم ، فإنه لا يمكن أن يقع هداية من الله له (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ) (١).
ومناسبة هذه الآية بهذا الإخبار ظاهرة ، لأنه ذكر حال مدّع شركة الله في الإحياء والإماتة ، مموّها بما فعله أنه إحياء وإماتة ، ولا أحد أظلم ممن يدعي ذلك ، فأخبر الله تعالى : أن من كان بهذه الصفة من الظلم لا يهديه الله إلى اتباع الحق ، ومثل هذا محتوم له عدم الهداية ، مختوم له بالكفر ، لأن مثل هذه الدعوى ليست مما يلتبس على مدّعيها ، بل ذلك من باب الزندقة والفلسفة والسفسطة ، فمدّعيها إنما هو مكابر مخالف للعقل ، وقد منع الله هذا الكافر أن يدعي أنه هو الذي يأتي بالشمس من المشرق إذ من كابر في ادّعاء الإحياء والإماتة قد يكابر في ذلك ويدعيه. وهل المسألتان إلّا سواء في دعوى ما لا يمكن لبشر؟ ولكنّ الله تعالى جعله بهوتا دهشا متحيرا منقطعا إكراما لنبيه إبراهيم ، وإظهارا لدينه.
وقيل : إنما لم يدع أنه هو الذي يأتي بها من المشرق ، لظهور كذبه لأهل مملكته ، إذ يعلمون أنه محدث ، والشمس كانت تطلع من المشرق قبل حدوثه ، ولم يقل : أنا آتي بها من المغرب لعلمه بعجزه ، فلما رأى أنه لا مخلص له سكت وانقطع.
(أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ) قرأ الجمهور : أو ، ساكنة الواو ، قيل : ومعناها التفصيل ، وقيل : التخيير في التعجيب من حال من ينشأ منهما.
وقرأ أبو سفيان بن حسين : أو كالذي ، بفتح الواو ، وهي حرف عطف دخل عليها ألف التقرير ، والتقدير : وأ رأيت مثل الذي ؛ ومن قرأ : أو ، بحرف العطف فجمهور المفسرين أنه معطوف على قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَ) على المعنى ، إذ معنى : ألم تر
__________________
(١) سورة الزمر : ٣٩ / ١٩.