(فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ) في قصة عزير أنه لما نجا من بابل ارتحل على حمار له حتى نزل دير هرقل على شط دجلة ، فطاف في القرية فلم ير فيها أحدا ، وعامة شجرها حامل ، فأكل من الفاكهة واعتصر من العنب فشرب منه ، وجعل فضل الفاكهة في سلة وفضل العنب في زق ، فلما رأى خراب القرية وهلاك أهلها قال : أنى يحيي؟ على سبيل التعجب ، لا شكا في البعث ، وقيل : كان شرابه لبنا. قيل : وجد التين والعنب كما تركه جنيا ، والشراب على حاله.
وقرأ حمزة ، والكسائي بحذف الهاء في الوصل على أنها هاء السكت ، وقرأ باقي السبعة بإثبات الهاء في الوصل والوقف ، والأظهر أن تكون الهاء أصلية ، ويحتمل أن يكون ذلك من إجراء الوصل مجرى الوقف ، وقد تقدّم الكلام على هذه اللفظة في الكلام على المفردات ، وقرأ أبيّ : لم يسنه ، بإدغام التاء في السين ، كما قرىء : لا يسمعون ، والأصل : لا يتسمعون ، وقرأ طلحة بن مصرف وغيره : لمائة سنة ، مكان : لم يتسنه. وقرأ عبد الله : وهذا شرابك لم يتسنه ، والضمير في : يتسنه مفرد ، فيحتمل أن يكون عائدا على الشراب خاصة ، ويكون قد حذف مثل هذه الجملة الحالية من الطعام لدلالة ما بعده عليه ، ويحتمل أن يكون الطعام والشراب أفرد ضميرهما لكونهما متلازمين ، فعوملا معاملة المفرد ، أو لكونهما في معنى الغذاء ، فكأنه قيل : وانظر إلى غذائك لم يتسنه وقال الشاعر في المتلازمين :
وكأن في العينين حب قرنفل |
|
أو سنبلا كحلت به فانهلّت |
والجملة من قوله : لم يتسنه ، في موضع الحال ، وهي منفية : بلم ، وزعم بعض أصحابنا أن إثبات الواو في الجملة المنفية بلم هو المختار ، كما قال الشاعر :
بأيدي رجال لم يشيموا سيوفهم |
|
ولم تكثر القتلى بها حين سلّت |
وزعم بعضهم أنه إذا كان منفيا فالأولى أن ينفى : بلما ، نحو : جاء زيد ولما يضحك ، قال : وقد تكون منفية : بلم وما ، نحو : قام زيد ولم يضحك ، أو : ما يضحك ، وذلك قليل جدا. انتهى كلامه. وليس إثبات : الواو ، مع : لم ، أحسن من عدمها ، بل يجوز إثباتها وحذفها فصيحا ، وقد جاء ذلك في القرآن في مواضع ، قال تعالى : (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ) (١) وقال تعالى : (أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ) (٢) ومن قال :
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ١٧٤.
(٢) سورة الأنعام : ٦ / ٩٣.