إن النفي بلم قليل جدّا فغير مصيب ، وقد أمعنا الكلام على هذه المسألة في باب : الحال ، في (منهج السالك على شرح ألفية ابن مالك) من تأليفنا.
(وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ) قيل : لما مضت المائة أحيا الله منه عينيه ، وسائر جسده ميت ، ثم أحيا جسده وهو ينظر. ثم نظر إلى حماره ، فإذا عظامه متفرقة بيض تلوح ، فسمع صوتا من السماء : أيتها العظام البالية إن الله يأمرك أن تجتمعي ، فاجتمع بعضها على بعض ، واتصلت ، ثم نودي : إن الله يأمرك أن تكتسي لحما وجلدا ، فكان كذلك. وروي أنه حين أحياه الله نهق ، وقيل : ردّ الله الحياة في عينيه وأخر جسده ميتا ، فنظر إلى إيلياء وما حولها وهي تعمر وتجدّد ، ثم نظر إلى طعامه وشرابه لم يتغير ، نظر إلى حماره واقفا كهيئته يوم ربطه لم يطعم ولم يشرب أحياه الله له وهو يرى ، ونظر إلى الجبل وهو لم يتغير وقد أتى عليه ريح مائة عام ومطرها وشمسها وبردها. وقال وهب ، والضحاك : وانظر إلى حمارك قائما في مربطه لم يصبه شيء مائة سنة.
قال الزمخشري : وذلك من أعظم الآيات أن يعيشه مائة عام من غير علف ولا ماء ، كما حفظ طعامه وشرابه من التغير.
(وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ) قيل : الواو ، مقحمة أي : لنجعلك آية ، وقيل : تتعلق اللام بفعل محذوف مقدر تقديره أي : أريناك ذلك لتعلم قدرتنا ، ولنجعلك آية للناس. وقيل : بفعل محذوف مقدر تأخيره ، أي : ولنجعلك آية للناس فعلنا ذلك ، يريد إحياءه بعد الموت وحفظ ما معه. وقال الأعمش : كونه آية هو أنه جاء شابا على حاله يوم مات ، فوجد الحفدة والأبناء شيوخا. وقال عكرمة : جاء وهو ابن أربعين سنة كما كان يوم مات ، ووجد بنيه قد ينوفون على مائة سنة ، وقيل : كونه آية هو أنه جاء وقد هلك كل من يعرف ، وكان آية لمن كان حيا من قومه ، إذ كانوا موقنين بحاله سماعا ، وقيل : أتى قومه راكبا حماره ، وقال : أنا عزير ، فكذبوه ، فقال : هاتوا التوراة ، فأخذ يهذهذ عن ظهر قلبه وهم ينظرون في الكتاب ، فما خرم حرفا ، فقالوا هو : ابن الله. ولم يقرأ التوراة ظاهرا أحد قبل عزير ، فذلك كونه آية. وفي إماتته هذه المدة ثم إحيائه أعظم آية ، وأمره كله آية للناس غابر الدهر لا يحتاج إلى تخصيص بعض دون بعض.
والألف واللام في : للناس ، للعهد إن غنى به من بقي من قومه ، أو من كان في عصره. أو للجنس إذ هو آية لمن عاصره ولمن يأتي بعدهم إلى يوم القيامة.