فالمعنى : وانظر إلى العظام كيف نرفعها من أماكنها من الأرض إلى جسم صاحبها للإحياء. انتهى.
والقراءة بالراء متوترة ، فلا تكون قراءة الزاي أولى.
و : كيف ، منصوبة بننشزها نصب الأحوال ، وذو الحال مفعول ننشرها ، ولا يجوز أن يعمل فيها : انظر ، لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله. وأعربوا : كيف ننشرها ، حالا من العظام ، تقديره : وانظر إلى العظام محياة ، وهذا ليس بشيء ، لأن الجملة الاستفهامية لا تقع حالا ، وإنما تقع حالا : كيف ، وحدها نحو : كيف ضربت زيدا؟ ولذلك تقول : قائما أم قاعدا؟ فتبدل منها الحال.
والذي يقتضيه النظر أن هذه الجملة في موضع البدل من العظام ، وذلك أن : انظر ، البصرية تتعدى بإلى ، ويجوز فيها التعليق ، فتقول : انظر كيف يصنع زيد ، قال تعالى : (انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) (١) فتكون هذه الجملة في موضع نصب على المفعول : بالنظر ، لأن ما يتعدّى بحرف الجر ، إذا علق ، صار يتعدى لمفعول ، تقول : فكرت في أمر زيد ، ثم تقول : فكرت هل يجيء زيد؟ فيكون : هل يجيء زيد ، في موضع نصب على المفعول بفكرت ، فكيف ، ننشزها بدل من العظام على الموضع ، لأن موضعه نصب ، وهو على حذف مضاف أي : فانظر إلى حال العظام كيف ننشزها ، ونظير ذلك قول العرب : عرفت زيدا أبو من هو. على أحد الأوجه. فالجملة من قولك : أبو من هو في موضع البدل من قوله زيدا مفعول عرفت ، وهو على حذف مضاف ، التقدير : عرفت قصة زيد أبو من. وليس الاستفهام في باب التعليق مرادا به معناه ، بل هذا من المواضع التي جرت في لسان العرب مغلبا عليها أحكام اللفظ دون المعنى ، ونظير ذلك : أيّ ، في باب الاختصاص. في نحو قولهم : اللهم اغفر لنا أيتها العصابة غلب عليها أكثر أحكام النداء وليس المعنى على النداء ، وقد تقدّم من قولنا ، إن كلام العرب على ثلاثة أقسام : قسم يكون فيه اللفظ مطابقا للمعنى ، وهو أكثر كلام العرب. وقسم يغلب فيه أحكام اللفظ كهذا الاستفهام الواقع في التعليق ، والواقع في التسوية. وقسم يغلب فيه أحكام المعنى نحو : أقائم الزيدان. وقد أمعنا الكلام على مسألة الاستفهام الواقع في التعليق في كتابنا الكبير المسمى (بالتذكرة) وهي إحدى المسائل التي سألني عنها قاضي القضاة تقي الدين أبو الفتح محمد بن علي
__________________
(١) سورة الإسراء : ١٧ / ٢١.