تقول : إن ثبت فعل لازم معناه : تمكن ، ورسخ ، وتحقق. وثبت معدى بالتضعيف ، ومعناه : مكن ، وحقق. قال ابن رواحة يخاطب رسول الله صلىاللهعليهوسلم :
فثبّت الله ما آتاك من حسن |
|
تثبيت عيسى ونصرا كالذي نصروا |
فالمعنى ، والله أعلم ، أنهم يثبتون من أنفسهم على الإيمان بهذا العمل الذي هو إخراج المال الذي هو عديل الروح في سبيل الله ابتغاء رضا ، لأن مثل هذا العمل شاق على النفس ، فهم يعملون لتثبيت النفس على الإيمان ، وما ترجو من الله بهذا العمل الصعب ، لأنها إذا ثبتت على الأمر الصعب انقادت وذلت له.
وإذا كان التثبيت مسندا إليهم كانت : من ، في موضع نصب متعلقة بنفس المصدر ، وتكون للتبعيض ، مثلها في : هزّ من عطفه ، و : حرك من نشاطه ، وإن كان التثبيت مسندا في المعنى إلى أنفسهم كانت : من ، في موضع نصب أيضا صفة للمصدر تقديره : كائنا من أنفسهم.
قال الزمخشري : فإن قلت : فما معنى التبعيض؟
قلت : معناه أن من بذل ماله لوجه الله فقد ثبت بعض نفسه ، ومن بذل ماله وروحه معا فهو الذي ثبتها كلها (وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) (١) انتهى. والظاهر أن نفسه هي التي تثبته وتحمله على الإنفاق في سبيل الله ، ليس له محرك إلّا هي ، لما اعتقدته من الإيمان وجزيل الثواب ، فهي الباعثة له على ذلك ، والمثبتة له بحسن إيمانها وجليل اعتقادها.
وقرأ عاصم الجحدري (كَمَثَلِ حَبَّةٍ) بالحاء والباء في : بربوة ، ظرفية ، وهي في موضع الصفة فتتعلق بمحذوف. وخص الربوة لحسن شجرها وزكاء ثمرها. كما قال الشاعر ، وهو الخليل بن أحمد ، رحمهالله تعالى :
ترفعت عن ندى الأعماق وانخفضت |
|
عن المعاطش واستغنت بسقياها |
فمال بالخوخ والرمان أسفلها |
|
واعتم بالنخل والزيتون أعلاها |
وتفسير ابن عباس : الربوة ، بالمكان المرتفع الذي لا يجري فيه الأنهار ، إنما يريد المذكورة هنا لقوله : (أَصابَها وابِلٌ) فدل على أنها ليس فيها ماء جار ، ولم يرد أن جنس الربوة لا يجري
__________________
(١) سورة الصف : ٦١ / ١١.