قد أخذ المجد كما أرادا |
|
ليس بفحاش يصر الزادا |
انتهى. ولا حجة في هذا البيت على أنه أراد بالفحاش البخيل ، بل يحمل على السيء الخلق ، أو السيء الردّ ، ويفهم البخيل من قوله : يصر الزادا.
(وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً) أي سترا لذنوبكم مكافأة للبذل ، وفضلا زيادة على مقتضى ثواب البذل. وقيل : وفضلا ، أن يخلف عليكم أفضل مما أنفقتم ، أو وثوابا عليه في الآخرة ، ولما تقدّم قوله : (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) وكان الحامل لهم على ذلك إنما هو الشح والبخل بالجيد الذي مثيره الشيطان ، بدىء بهذه الجملة من قوله (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ) وإن ما تصدّقتم من الخبيث إنما ذلك من نزغات الشيطان ليقبح لهم ما ارتكبوه من ذلك بنسبته إلى الشيطان ، فيكون أبعد شيء عنه.
ثم ذكر تعالى في مقابلة وعد الشيطان وعد الله بشيئين : أحدهما : الستر لما اجترحوه من الذنوب ، والثاني : الفضل وهو زيادة الرزق والتوسعة في الدنيا والآخرة. روي أن في التوراة : عبدي ، أنفق من رزقي أبسط عليك فضلي ، فإن يدي مبسوطة على كل يد مبسوطة ، وفي كتاب الله مصداقه : (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ) (١).
(وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) أي : واسع بالجود والفضل على من أنفق ، عليم بنيات من أنفق ، وقيل : عليم أين يضع فضله ، ووردت الأحاديث بتفضيل الإنفاق والسماحة وذمّ البخل ، منها حديث البراء ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن الله يحب الإنفاق ويبغض الإقتار فكل وأطعم ولا تصرر ، فيعسر عليك الطلب». وقوله صلىاللهعليهوسلم : «وأي داء أردأ من البخل».
(يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ) قرأ الربيع بن خيثم بالتاء في : تؤتي ، وفي : تشاء ، على الخطاب ، وهو التفات إذ هو خروج من غيبة إلى خطاب ، والحكمة : القرآن ، قاله ابن مسعود ، ومجاهد ، والضحاك ، ومقاتل في آخرين.
وقال ابن عباس فيما رواه عنه علي بن طلحة : معرفة ناسخ القرآن ومنسوخه ، ومحكمه ومتشابهه ، ومقدّمه ومؤخره. وقال ، فيما رواه عنه أبو صالح : النبوّة ، وقاله السدي. وقال إبراهيم ، وأبو العالية ، وقتادة : الفهم في القرآن. وقال مجاهد فيما رواه عنه ليث : العلم والفقه ؛ وقال فيما رواه عنه ابن نجيح : الإصابة في القول والفعل ،
__________________
(١) سورة سبإ : ٣٤ / ٣٩.